السبت، 15 أغسطس 2020

الرئيسية بحث كامل عن الجغرافيا السياسية

بحث كامل عن الجغرافيا السياسية

 

المقدمة:

يعيش أكثر من نصف مليار مسلم في ظروف متداخلة داخل مجتمعات تتنوع فيها الثقافات والديانات والأعراق، ما يجعلهم أقلية بشرية ودينية تواجه بعض التحديات٬ من بينها إمكانية الاندماج الثقافي والاجتماعي.

كذلك أن معدل الارتفاع البشري للمجتمعات المسلمة في العالم في تزايد مستمر في أثناء الهجرات المرتفعة من الدول المسلمة التي تتعرض لنزاعات وحروب قامت في السنوات الأخيرة.

القرآن يحدثنا عن الكثرة في معرض الامتنان والتذكير بالنعمة، وذلك على لسان شعيب – عليه السلام – حين قال لقومه {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} (الأعراف: 86)، وكذلك قوله تعالى في الامتنان على المهاجرين بعد غزوة بدر {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره} (الأنفال: 26)، وهذه القلة العددية تسبب أن تلقى الظلم والاضطهاد من الأكثرية، وخصوصا إذا غلب على الأكثرية التعصب والاستعلاء على الآخرين.

المقصود بمصطلح (الأقليات):

        يراد بها: كل مجموعة بشرية في قطر من الأقطار، تتميز عن أكثرية أهله في الدين، أو المذهب أو العرق، أو اللغة، أو نحو ذلك، من الأساسيات التي تتمايز بها المجموعات البشرية بعضها عن بعض، ومثل ذلك: الأقليات المسلمة في المجتمعات المسيحية في الغرب، أو الهندوسية في الهند، أو البوذية في الصين، وهناك الأقليات العرقية كالأقليات البربرية في الجزائر والمغرب، والأقليات الكردية في العراق وإيران وتركيا وسورية.

ومن لوازم الأقلية: أنها تكون عادة ضعيفة أمام الأكثرية، فالكثرة تنبئ عن القوة، والقلة تنبئ عن الضعف.

يمكن تعريف الأقليات على أنّه عبارة عن ذلك المصطلح الذي يشير إلى مجموعة من الناس الذين يقومون بالتعايش مع مجموعة أخرى أكثر هيمنةً وسيطرةً، حيث إنّ مجموعة الأقليات تكون تابعةً، وليست مسيطرةً، فمفهوم العدد ليس له علاقة بتحديد من هي الأقلية في مكان ما، فقد يكون عدد الأقليات أكبرَ من عدد المجموعة المهيمنة والمسيطرة، ويُعدّ نظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقيا مثالاً على هذه الأقليات، وتجدر الإشارة إلى أنّه لا بدَّ من توافر بعض الخصائص، والمميزات الثقافية، أو الدينية، أو حتى الإثنية في المجموعات التي يمكن أن يُطلق عليها اسم الأقليات، وقد تختفي أقلية معينة من مجتمع ما من خلال قيامها باستبدال ثقافة ذلك المجتمع مكان ثقافتها الخاصة.

حقوق الأقليات:

لا بدَّ من أن يكون للأقليات في أي مكان حول العالم حقوق، وضمانات يتمتعون بها، شأنهم في ذلك شأن أيّ شخص آخر في المجتمع الذي يعيشون فيه، وتقوم هذه الحقوق بحفظ ثقافات الأديان المختلفة، كما أنّها تُسهّل عملية مشاركة هذه الأقليات، وانخراطها في المجتمع، ولحقوق الأقليات الأثرُ الكبير في عدم تعرض هذه الأقليات للأذى، وتُعتبَر حقوق الأقليات جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وقد أصدرت الأمم المتحدة إعلاناً يخصُّ الأقليات، وذلك في نهايات القرن المنصرم، وتحديداً في العام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين، وقد حفظ هذا الإعلان للأقليات حقوقَهم المختلفة، فيما يخصُّ الديانة، واللغة، وأوجب على الدول ضرورةَ القيام بحمايتهم، وعدم تمييزهم عن باقي أفراد المجتمع.

أنواع الأقليات:

المسلمون ينقسمون – من حيث الأوطان التي يعيشون – فيها إلى قسمين:

القسم الأول: الذي يعيش داخل ما سماه الفقهاء (دار الإسلام). داخل المجتمعات الإسلامية، أو البلاد الإسلامية. ونعني بها: البلاد التي أغلبية سكانها مسلمون معلنون بإسلامهم، على الأقل في إقامة الشعائر الدينية مثل: الأذان والصلاة والصيام وتلاوة القرآن، وإقامة المساجد، والسماح بالحج ونحو ذلك، ويمارسون أحوالهم الشخصية من الزواج والطلاق ونحوهما وفق أحكام دينهم.

والقسم الثاني: هو الذي يعيش خارج (دار الإسلام) بعيدا عن المجتمعات الإسلامية، أو عن (العالم الإسلامي).

وهذا القسم نوعان:

النوع الأول: من أهل البلاد الأصليين يعتبرون أقلية بالنسبة لمواطنيهم الآخرين من غير المسلمين، مثل الأقلية المسلمة الهندية.

والنوع الثاني: من المهاجرين الذين قدموا من البلاد الإسلامية للبلاد غير الإسلامية، للعمل فيها، أو للهجرة، أو للدراسة، أو لغير ذلك، وحصلوا على إقامة قانونية، وبعضهم حصل على جنسيتها.

الأقليات في الغرب:

وهناك الأقليات في أوربا الشرقية والغربية.

بعضهم من أهل البلاد الأصليين، مثل الجزء الأوربي من تركيا، وألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا، وهؤلاء لا يجوز اعتبارهم أقليات، لأن بلادهم بلاد إسلامية، وهناك من دخل الإسلام حديثا من أهل أوربا الغربية، ومن انضم إليهم من المهاجرين من بلاد المغرب في فرنسا، وكذلك الجالية المسلمة في ألمانيا، وهناك الجالية المسلمة في بريطانيا، وفي هولندا وبلجيكا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا والبلاد الإسكندنافية.

ولقد بدأ المسلمون في أوربا منذ مدة يشعرون بذاتيتهم، وأدركتهم الصحوة الإسلامية العامة، فطفقوا ينشئون المؤسسات المختلفة – دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية: للحفاظ على كيانهم، مثل: اتحاد المنظمات الإسلامية، والكلية الأوربية للدراسات الإسلامية في فرنسا، وفي بريطانيا، والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وهناك المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، معظمهم من (المسلمين الأفارقة).

كما انضم إلى هؤلاء ممن أصبحوا يحملون الجنسية الأمريكية والكندية، ومن له حق الإقامة في هذه البلاد.

الأقليات المسلمة في الشرق:

بعضها أقليات كبرى مثل الأقليات الإسلامية في الهند، وتقدر بأكثر من (مائة وخمسين مليونا) من المسلمين، لهم تراثهم ومساجدهم ومدارسهم وثقافتهم وشخصيتهم، وهناك بلاد إسلامية خالصة، وهي بلاد الجمهوريات الإسلامية في آسيا: أوزبكستان وطاجيكستان، وكازاخستان وأذربيجان وغيرها، وفي روسيا الاتحادية حوالي عشرين مليونا من المسلمين من القوقاز والتتار، ويوجد في الصين عشرات الملايين، وهناك بلاد هي في حقيقتها ذات أكثرية إسلامية، ولكن الغرب مصر على أن يجعلها مسيحية، ويجعل المسلمين فيها أقلية، رغم أن الأرقام تكذب تلك الدعوى. ويتمثل ذلك بوضوح في أثيوبيا وإريتريا وتشاد.

وهناك أقليات لها وزنها، مثل تايلاند وبورما وسنغافورة وسيريلانكا، ومثل تنزانيا وأوغندا وكينيا وغانا والكونغو والنيجر وجنوب إفريقيا وغيرها.

تطور صلة الأقليات الغربية المسلمة بالإسلام:

في المرحلة الأولى كانت (ضياعا) بمعنى الكلمة. لم يكن هناك وعي، ولا حتى إحساس كاف بالانتماء الإسلامي، أو الهوية الإسلامية، بدأ ذلك من بعد الحرب العالمية الأولى، وانسحب العالم الإسلامي ليدخل تحت سلطان الاستعمار.

أما أهل البلاد الأصليون فكان معظمهم في (أوربا الشرقية) وفي داخل (روسيا) تحت مطارق الحكم الشيوعي، قد عزلوا عن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وثقافة، كما عزلوا عن سائر الأمة الإسلامية. فأصبح هؤلاء جاهلين بالإسلام من ناحية الفكر، بعيدين عن الإسلام من ناحية السلوك.

أدخل في دائرة (الأقليات المسلمة) أوزبكستان، وطاجيكستان، وكازاخستان، وأذربيجان، وغيرها، باعتبارها ضمت قسرا إلى الاتحاد السوفيتي، وأصبحت جزءا من كيانه السياسي، فاعتبرت أقليات من هذه الحيثية، وكنت أقول في ذلك الوقت: إن هذه (أقطار إسلامية) كاملة، لا يخرجها عن وصفها الإسلامي ضمها بالقوة إلى السوفييت، ثم بدأ المسلمون المهاجرون ينفضون غبار الغفلة عن أعينهم، ويشعرون بالحنين إلى أصلهم، وبالهوية الدينية لهم، وبأن لهم عقيدة تخصهم، ورسالة تميزهم، وطفقوا يتصلون بإخوانهم المسلمين داخل العالم الإسلامي، يطلبون منهم المساعدة في بناء المساجد، وإرسال العلماء والدعاة.

وبهذا تطور هذا العصر من مرحلة إلى مرحلة، ومن درجة إلى درجة أقوى منها وأرسخ، حتى انتهى إلى ما نراه ونلمسه اليوم في أوربا والأمريكتين وأستراليا.

ويمكننا أن نقسم مراحل هذا العصر الجديد للأقليات إلى ما يأتي:

1-  مرحلة الشعور بالهوية.

2-   مرحلة الاستيقاظ.

3-  مرحلة التحرك.

4-  مرحلة التجمع.

5-   مرحلة البناء.

6-  مرحلة التوطين.

7-  مرحلة التفاعل.




 

الخاتمة:

أكثر الأقليات في العالم ظهورا هي الأقلية الدينية، وتثار الكثير المشكلات الآن عن الأقلية المسلمة في البلدان غير الإسلامية، سواء كانت تلك الأقلية المسلمة من أهل البلاد الأصلِين، أو كانت من المهاجرين الذين أتوا من بلاد إسلامية أو من بلاد غير إسلامية، ونالوا جنسية الدولة أو حصلوا على الإقامة القانونية فيها، ويتزايَد عدد المسلمين الأصليين والمهاجرين لما يتصفون به من خصوبة عالية، وبسبب الداخلين في الإسلام أكثر من الذين يدخلون في أي دين آخر.

تكون أزمة الهوية أشد العقبات للأسر في المجتمعات المسلمة في الخارج، فتوجد في عقولهم رغبتين الأولى تكمن في محاولتهم لتدعيم ملامح الشخصية الإسلامية، بعواملها الثقافية والاجتماعية عند أبنائهم، والثانية هي السعي جاهدة لدمجهم في المجتمعات المحيطة بهم.

كما تواجه المجتمعات المسلمة في الخارج مشكلات بالغة في أداء طقوسهم الدينية، في استمرار غياب المظلة القانونية التي تعطي لهم حقوقهم، في تأدية هذه الشعائر بحرية كاملة، واحترام الموروث الثقافي، وعاداتهم وتقاليدهم بينما دون أي خرق للقوانين المنتشرة في الدول التي يعيشون فيها.

المراجع:

1.    القرضاوي، يوسف. (2001): فقه الأقليات المسلمة ... حياة المسلمين وسط المجتمعات الأخرى، دار الشروق.

2.    رشماوي، ميرفت. حقوق الأقليات في القانون الدولي، بعض الإضاءات، ترجمة فابيولا دينا، المجلة الإلكترونية لمنظمة العفو الدولية، العدد 19، شتاء2012، متاح على الانترنت، .Issue19 /www.amnectymena.org/magazine/

3.    الأسود، شعبان الطاهر. (2003): قضايا الأقليات بين العزل والاندماج، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية.

4.    العلواني، طالب عبد الله فهد. (2014): حقوق الأقليات في القانون الدولي، الإسكندرية: دار الفكر الجامعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.