السبت، 24 فبراير 2018

الرئيسية بحث كامل عن الحقوق الزوجية الكاملة للزوج والزوجة

بحث كامل عن الحقوق الزوجية الكاملة للزوج والزوجة



المقدمة

1) مدخل تعريفي بموضوع البحث :
 تنقسم الحقوق الزوجية من حيث قيمتها المادية الى حقوق مالية وأخرى غير مالية ومن حيث وقت استحقاقها تنقسم الى حقوق ناشئة عند قيام الرابطة الزوجية واخرى بعد انتهائها بالطلاق او الوفاة وتعتبر نفقة الطعام والكسوة والسكنى من الحقوق المالية التي تستحقها الزوجة عند قيام الرابطة الزوجية وتستمر حتى بعد انتهائها بالطلاق او الوفاة الى حين انقضاء مدة العدة .
 وعلى الرغم من اهمية هذه النفقات بانواعها المختلفة فان نفقة السكنى تعتبر اكثر اهمية وضرورة من بقية النفقات الاخرى لما للسكنى من اثار اجتماعية واخلاقية ونفسية فضلاً عن الاثار الشرعية والقانونية .
 فالمسكن بالنسبة الى الزوجين هو المكان الذي يؤويهما ويكون لهما فيه مطلق الحرية في الخلوة والاستمتاع ببعضهما بعيداً عن مرأى ومسمع الغير فضلاً عن كونه مكاناً للمأكل والمشرب والغسل والتنظيف وقضاء الحاجات الانسانية الاخرى كما انه مكان للراحة والاستقرار من اعباء الحياة ومتطلباتها .
 وفيه ينجب الأولاد وبه تنشأ الاسرة ويشكل مع غيره من المساكن مجتمعاً تسوده جملة من الروابط الاجتماعية والانسانية القائمة على روح المحبة والتسامح .
 فالمسكن عماد الحياة الزوجية ولا يمكن الاستغناء عنه بالسكنى في الفندق مثلاً أو ان تسكن الزوجة في بيت اهلها والزوج في بيت اهله ، اذ تفقد العلاقة الزوجية الكثير من خصائصها الاجتماعية والاخلاقية والانسانية .


 ومن الاثار الشرعية والقانونية المترتبة على قيام الزوج بتهيئة المسكن الشرعي لزوجته ، الزامها بمتابعته والانتقال اليه وعدم الخروج منه الا باذنه وطاعته في كل امر ليس له محظور شرعي فان امتنعت الزوجة عن المطاوعة نشزت وسقط حقها في النفقة ، اما اذا امتنع الزوج عن اعداد المسكن الشرعي كان لزوجته عدم مطاوعته والمطالبة بنفقتها بل وطلب التفريق منه .
كما ان المسكن بالنسبة للمعتدة والمطلقة الحاضنة وان كان مكاناً للسكنى فانه مكان لقضاء العدة وما يتعلق بها من احكام كملازمته وعدم الخروج منه الا لعذر شرعي كما انه مكان لحضانة الصغير والحفاظ عليه . ولكي يكون المسكن مكاناً صالحاً للسكنى فيه لابد من توافر جملة من الشروط منها . احتواءه على كل ما يلزم للسكنى من اثاث واواني وادوات منزلية فضلاً عن المرافق والمنافع كما يجب ان يكون صالحاً للاقامة فيه من الناحية الصحية والعمرانية كما يشترط فيه ان يكون خاصاً بالزوجين ولا يشاركهم فيه احد أن كان بمقدور الزوج ذلك .
وقد اكدت الكتب الفقهية والقوانين الوضعية واحكام القضاء في البلاد العربية على ضرورة توافر مثل هذه الشروط والا فقد المسكن شرعيته .
٢) سبب اختيار موضوع البحث : لم يكن اختيار موضوع البحث قد تم جزافا بل ان هناك أسباباً جدية دعتنا اليه منها :
 أ) إغفال قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 1٨٨ لسنة ١٩٥٩ للعديد من الشروط والضوابط التي يجب ان يكون عليها مسكن الزوجية ، مقارنة مع بعض التشريعات العربية المقارنة وآراء الفقه الإسلامي التي بينت هذه الشروط بشكل مفصل لذا حاولنا قدر الامكان بيان هذه الشروط وفقا لأراء الفقهاء ومواقف القوانين واتجاهات القضاء، عسى ان تلقى طريقها الی التشریع .
 ب) عدم تحديد قانون الاحوال الشخصية العراقي بشكل صريح المعتدات اللواتي لهن حق السكنى على ازواجهن واللواتي ليس لهن ذلك الحق .
 ج) صدور قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى المرقم VV لسنة ١٩٨٢ ورغبة الباحث في بيان مااشتمل عليه وان كان هناك من ضرورة لتشريعه .
 ٢) منهجية البحث : لقد اعتمدنا في هذه الدراسة اسلوب البحث المقارن ، حيث بينا اراء الفقهاء في كل مفردة من مفردات هذا البحث وقارنا فيما بينهما ثم رجحنا الراجح فيها ، وبينا بعد ذلك موقف قانون الاحوال الشخصية العراقي المرقم ٨٨ 1 لسنة ١٩٥٩ وقارناه مع مواقف القوانين العربية المقارنة إذ اخترنا منها قانون الأحوال الشخصية السوري المرقم ٩ه لسنة ١٩٥٢ المعدل وقانون الاحوال الشخصية الاردني المرقم ٢٦٦٨ لسنة ١٩٧٦ المعدل و قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم 4 4 لسنة ١٩٧٩ المعدل فضلاً عن مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية ثم بينا بعد ذلك موقف قضاء محكمة التمييز العراقية والمحاكم العليا في بعض البلدان العربية وهي سوريا ومصر الاردن .  


المبحث الأول
ماهية المسكن الشرعي
 نقصد بماهية المسكن الشرعي التعريف به لغة واصطلاحاً وتحديد حجمه ونوعيته من الناحية الشرعية والقانونية فضلاً عن بيان الطبيعة الشرعية والقانونية لحق المطالبة به وسنبين هذه المسائل في المطالب الثلاثة الاتية :
 المطلب الاول / التعريف بالمسكن الشرعي .
  المطلب الثاني / تحديد حجم ونوعية المسكن الشرعي .

المطلب الأول
التعريف بالمسكن الشرعي
 لم يتطرق غالبية الفقهاء المسلمين الى التعريف بمصطلح مسكن الزوجية بل جنحوا إلى بيان شروطه ومواصفاته وتقدير شرعيته وفقاً لحالة الزوجة أو حالة الزوج أو حالتيهما معاً. كما انهم استخدموا عدة مفردات لمكان السكنى وهي البيت والدار والمسكن والمنزل .
 وسوف نبين المعنى اللغوي والشرعي والقانوني لهذه المفردات ثم نبين بعد ذلك المقصود بمصطلح مسكن الزوجية ، وذلك في الفرعين الاتيين :

الفرع الاول
المعنى اللغوي والشرعي والقانوني لمفردات السكن

 تعددت الألفاظ التي تطلق على المكان الذي يسكن فيه على وجه الاستقرار فيطلق عليه البيت والدار والمسكن والمنزل والشقة . ومما لا شك فيه أن لكل من هذه المفردات معنى مختلفاً عن غيره . فالألفاظ وعاء المعاني كما يقال ولكن ما يهمنا في هذا السياق هو معرفة المعنى العام لهذه المفردات في اصطلاح الشرع والقانون هل هو واحد . أما ان لكل مفردة معنى مختلفاً ؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال بيان المعنى اللغوي والشرعي والقانوني لهذه المفردات على النحو الاتي :




اولاً : البيت :
مشتق من الفعل بات يبيت بياتاً وبيوتة أي أدركه الليل فنام [1] . وجمعه بيوت وأبيات وبيوتات وتصغيره بنيت والعامة تقول (بويت ) [2] . والبيت له معان كثيرة من حيث صفته وحجمه ونوعيته . فمن حيث صفته يطلق لفظ البيت على المسكن وفرش البيت . وعلى زوجة الرجل وعياله وعلى الكعبة (بيت الله الحرام ) والقبر والقوت وغير ذلك [3] .
أما من حيث حجمه ونوعيته . فبيوت العرب كما يقال ستة أنواع قبة من ادم ومظلة من شعر وخباء من صوف وبجاد من وبر وخيمة من شجر وقنة من حجر وسوط من شعر وهو أصغرها [4] . هذا عند أهل اللغة .
أما عند الفقهاء فإن البيت يطلق على الحجرة أو الغرفة الواحدة التي لها غلق ومرافق خاصة أو مشتركة وتقع داخل الدار الواحدة دون أن تكون مستقلة عنها بفسحة أو سياج خاص بها [5].
ثانياً – الدار :
مشتقة من الفعل دار دوراً ودورانا بمعنى طاف حول الشيء وعاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه . والدار مؤنثة وقد تذكر وتجمع بدور وديار وتعني كل موضع يحيط به شيء يحجزه كالسياج فيجمع في داخله البناء والساحة . ومن هذا المعنى أطلق الفقهاء لفظة الدار على العرصة التي تشتمل على بيوت ( أي غرف ) وصحن غير مسقوف [6]. – وهو ما يسميه العامة في عصرنا (بالبيت الشرقي ) – حيث جاء في الهداية ( ولو أسكنها في بيت من دار مفرد له غلق كفاها ) [7].

فالدار هي مجموعة غرف وفناء مع المرافق محاطة جميعها بسياج واحد والغرفة منها تسمى بيتاً . كما ان لفظة الدار تطلق على المسكن والمنزل المسكون والبلد والقبيلة [8] .

ثالثاً – الشقة :
مشتقة من الفعل شق . وشق الشيء صدعه . وشق الشيء جزءه ونصفه وجانبه . والشقة نصف الشيء أما الشقة فجزء من البيت تتفرد غالباً بسكناه الأسرة [9]، هذا عند أهل اللغة .
أما عند فقهاء الشريعة ، فالشقة نصف دار تستقل بغلقها ومرافقها بحاجز خاص بها . إن كانت الدار أفقية البناء . وطابق مستقل أو جزء من طابق يحوي مجموعة شقق إن كان البناء عمودياً ، ويطلق الفقهاء على الشقق والطوابق مصطلح العلو والسفل. فقد جاء في معنى المحتاج (والعلو والسفل إن تميزت بالمرافق فمسكنان ) [10] ، فهي مساكن تنزل منزلة الدور المستقلة [11] .
رابعا –المنزل :
 مشتق من الفعل تزل نزولاً، أي هبط من علو إلى سفل ويقال نزل بالمكان ونزل فيه.
والنزل المكان الذي ينزل فيه كثيراً والمنزل يطلق على الدار وجمعه منازل [12] .
 ويستخدم الفقهاء لفظة المنزل ويقصدون بها البيت ، حيث جاء في حاشية الجمل (ومنزل بدوية أي بيتها من نحو شعر وصوف كمنزل حضرية في لزوم ملازمته ) [13].



خامساً المسكن

جمعه مساكن ومصدر فعله أسكن المزيدة بالهمزة فأصل مادته سكن ، وسكن الشيء سكوناً إذا ذهبت حركته [14]. ومنه قوله تعالى ( وله ما سكن في الليل والنهار) [15]. والسكنى هي السكون في المكان على طريق الاستقرار ولا يكون السكون على هذا الوجه الا بما يسكن به عادة من اهل ومتاع يتأثاث به ويستعمله في منزله [16] والسكنى هي الاسم من سكن – وليس السكن كما يسميه خطأ بعض الكتاب – وهي تعني ان تسكن إنساناً منزلاً بلا أجرة [17] . والسكن كل ما سكنت إليه واستأنست به ويطلق على الزوجة أيضاً [18]، ومن ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها) [19] . وقوله سبحانه (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) [20]. والمسكن في إصطلاح اللغويين والفقهاء لفظة تطلق على البيت. (الغرفة) والدار والشقة والمنزل [21] .
 ويتبين لنا مما تقدم ان مفردات البيت والدار والشقة والمشترك والمسكن من حيث اللغة مترادفات لمعنى واحد وهو ( مكان سكنى الزوجين ) ، واختلفت الالفاظ تبعاً لاختلاف الافعال المتعلقة به ، فالبيت مشتق من المبيت فيه والمنزل من النزول به والمسكن من السكون والطمأنينة ، والشقة من شقه جزأين ، والدار من احاطته بدوار او سياج خاص به .
 اما من حيث الشرع ، فان لكل مفردة معنى مختلفاً لا من حيث صفتها (مكان لسكنى الزوجين ) بل من حيث تحديد حجم المسكن ومواصفاته ، فالبيت لدى الفقهاء يعني الغرفة ، والشقة تعني نصف دار بمرافق مستقلة ، والدار مجموعة غرف او شقق مستقلة عن غيرها من الدور بسیاج خاصی بها .
 اما المنزل والمسكن فهي ألفاظ عامة تطلق على الغرفة والشقة والدار . وتظهر دقة واهمية استخدام الفقهاء المسلمين هذه المفردات عند تحديد حجم المسكن الشرعي الذي يقع على عاتق الزوج اعداده لزوجته كما سنرى لاحقاً ، فالبيت عندهم هو المسكن الشرعي للمعسرين كحد أدنى ، والشقة مسكن شرعي للمتوسطين ، والدور المستقلة هي مساكن الموسرين . وبناءً على ذلك نذوه الى عدم الخلط بين هذه المفردات . وقد استخدم المشرع العراقي في نصوص قانون الاحوال الشخصية المرقم (1٨٨) لسنة ٩٥٩ 1 ، مفردات ( البيت والدار والمسكن) باستثناء مفردة المنزل والشقة، وذلك في المواد ( 24-25-26) منه [22] .
 كما درجت محكمة التمييز العراقية على استخدام هذه المفردات في العديد من قراراتها، الا ان اللفظ الشائع الاستعمال في التشريع العراقي قانوناً وقضاء هو مصطلح (البيت الشرعي) .
الفرع الثاني
المعنى الأصطلاحي للمسكن الشرعي
على الرغم من أن غالبية الفقهاء المسلمين لم يتطرقوا الى التعريف بمصطلح مسكن الزوجية ، بل بينوا شروطه ومواصفاته ، فقد عرفه العديد من الفقهاء المحدثين وكتاب الاحوال الشخصية . اذ عرفه الاستاذ محمد مصطفى شلبي بانه : المكان الذي يكون مشتملاً على كل ما يلزم للسكن من اثاث وفراش وانية ومرافق وغيرها مما تحتاج اليه الاسرة ، وتراعى في ذلك حالة الزوج والزوجة من يسار وإعسار ووضعهما الاجتماعي [23] .
 وعرفه الاستاذ علي حسب الله بأنه المكان : الذي يعده الزوج سكناً لامرأته مستكملاً للشروط الشرعية بحيث يجب عليها ان تطيعه بالإقامة فيه ، واذا امتنعت كانت ناشزة وسقط حقها في النفقة [24] .
 كما عرفه البعض بأنه : البيت المستجمع لجميع الشروط والمرافق الضرورية واللوازم البيتية التي لا يستغنى عنها كأدوات الطبخ والفرش والأثاث البيتية للزوجة وأولادها وغير ذلك مما يتناسب وحال الزوجين يسراً وعسراً ويوافق العرف والعادة السائدين في البلد الذي يعيشان فيه ويقع بين جيران صالحين بحيث تأمن الزوجة فيه على نفسها ومالها[25].

كما عرفت إحدى المحاكم المصرية مسكن الزوجية بالقول ( أن المقصود بيت الطاعة هو أن تكون الزوجة في محل تأمن فيه على نفسها ومالها . وتستطيع الاستمتاع فيه بزوجها وهذا يتأدى في بيت له غلق ولو بجواره بيوت كثيرة سواء كانت مرافقه خاصة أم مشتركة حسب أحوال الناس وبما يكفي لاندفاع الحاجة )[26] .
والواضح من هذه التعاريف أنها تضمنت شروط المسكن الشرعي ومواصفاته التي أقرها الفقهاء بشكل تفصيلي . مما يجعل هذه التعاريف أقرب ما تكون إلى الشرح والإطالة بدلاً من الاقتضاب والعموم الذي يفترض فيها . ونعتقد أن أفضل تعريف لمصطلح مسكن الزوجية هو التعريف الذي يمكن ان نستنبطه من تعريف السكنى المذكور آنفاً [27] إذ يمكن ان يعرفه بأنه المكان المسكون على طريق الاستقرار وفيه ما يسكن به عادة من أهل ومتاع يتأثث به ويستعمله في منزله .
إذ يتميز هذا التعريف عن غيره باختصاره وعموميته وبيانه للصفة الأساسية للمسكن وهي الاستقرار فيه . فضلاً عن بيانه ما يشترط أن يتوافر فيه .


المطلب الثاني
تحديد حجم ونوعية المسكن الشرعي
تختلف المساكن من حيث حجمها ومساحة بنائها ، وعدد غرفها ومرافقها وفنون عمارتها وزخارفها وحدائقها وساحاتها ومشتملاتها ونوعية المواد الانشائية المستخدمة في بنائها ، وذلك تبعاً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والطبيعة الجغرافية.
ففي المدن تشيد المساكن من مواد انشائية عديدة كالأسمنت والجص والطابوق والخرسانات الحديدية والرخام والسيراميك وغيرها من المواد الاخرى . وتكون فيها المساكن مشيدة بأحجام وأشكال مختلفة ، فالمسكن قد يكون قصراً منيفاً أو داراً مستقلة او بيتاً من دار (غرفة) أو عبارة عن علو وسفل ( طوابق ) ، أو شققاً سكنية .
اما في القرى والارياف حيث تسود حياة الزراعة وتربية المواشي والمقدرة الاقتصادية البسيطة للأغلبية منهم فيكون تشييد المساكن من الحجارة او الطين او سعف النخيل أو القصب [28].
اما في البادية حيث حياة البداوة ورعي الاغنام والتنقل المستمر بحثاً عن الكلأ والماء، فإن العادة جريت على ان تكون المساكن عبارة عن بيت من الشعر أو الصوف أو خيمة ولمعرفة حجم ونوعية المسكن الذي يلتزم بإعداده الزوج لزوجته من الناحية الشرعية والقانونية ، وهل هو غرفة ام شقة ام دار مستقلة ؟ وهل يمكن اعتبار المسكن المشيد من الطين أو القصب او الشعر مسكناً شرعياً ؟ لا بد لنا من الرجوع الى المعايير والضوابط التي وضعها الفقهاء والتشريعات القانونية لتحديد حجم ونوعية المسكن الشرعي ، ونتعرف عليها في الفرعين الاتيين .


الفرع الأول
المعيار المعتبر في تحديد نوعية المسكن الشرعي
من خلال الرجوع الى ما تيسر لنا من الكتب الفقهية والتشريعات الوضعية العربية تبين لنا ان البيئة الاجتماعية التي يقيم فيها الزوجان هي المعيار الشرعي والقانوني الذي يتحدد بموجبه مدى شرعية المسكن من حيث نوعيته والمواد المستخدمة في تشييده .
فقد جاء في شرح النيل : إن كان الزوج من اهل البيوت أي بيوت البناء ، فلها بيت البناء او بيوت الشعر ونحوه ، فلها ذلك ، وإن كان من اهل الخصوص فلها الخص " او من اهل الاخبية فلها الخباء. [29]
وجاء في وسيلة النجاة : (ولو كانت – أي الزوجة – من اهل البادية كفاها كوخ أو بيت من الشعر منفرد المرافق) [30] .
وجاء في حاشية الجمل : ( ومنزل بدوية من نحو شعر كصوف كمنزل حضرية في لزوم ملازمته )  [31] .  
كما اخذت بهذا المعيار المادة ٢٥ ( ف٢ / بند / أ ) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ ، حيث اعتبرت من قبيل الإضرار بالزوجة ( عدم تهيئة الزوج لزوجته بيتاً شرعياً يتناسب مع حالة الزوجين الاجتماعية والاقتصادية ) .
 كما قضت المحاكم المصرية بأن ( البيت المتخذ من الشعر يعد مسكناً مناسباً بالنسبة لسكان البادية الذين يألفون الصحراء ، فلا يشترط فيه ما يشترط في مساكن القرى والأمصار، ويكون بوصفه المألوف لهم مسكناً شرعياً تلزم الزوجة بالطاعة فيه شرعاً)[32].

 وقضت محكمة النقض السورية بأن (شرعية المسكن تكون بنسبة بيئة الزوج وحال امثاله في هذه البيئة لا على مجرد الغنى ) [33] .
ويفهم من جميع ما تقدم ان المعيار المعتبر في تقدير مدى شرعية المسكن من حيث نوعيته هو البيئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الزوجان .
 فإن كان الزوجان ممن يقطنون المدن فلا بد أن يكون المسكن ملائماً لطابع المدينة العمراني ، ومشيداً وفقاً للأنظمة والتعليمات الناظمة لمسألة العمران في المدن ، فإن لم يكن كذلك بأن كان مشيداً من الصفيح أو الطين او القصب او عبارة عن خيمة ، فإن شرعيته تنتفي لعدم ملاءمته للبيئة الاجتماعية من جهة ولمخالفته لأصول البناء في المدن من جهة أخرى ، فضلاً عن كونه محل سخرية وازدراء الناس من جهة أخرى .
 اما اذا كان الزوجان ممن يسكنون القرى والأرياف والبوادي فلا يقدح في شرعية المسكن كونه مشيداً من الطين او القصب او سعف النخيل او عبارة عن خيمة او بيت من الشعر ، وذلك لملاءمة هذه المساكن لأبناء هذه البيئة ، اذ انهم اعتادوا على السكنى فيها واصبحت مألوفة بالنسبة إليهم .
 ولكن القول المطلق بشرعية المسكن المشيد من الطين أو القصب والشعر في القرى والارياف في الظروف والاحوال كافة قول قد لا يجد له ما يبرره في بعض الحالات وخاصة اذا كان الزوج من الموسرين ، إذ بمقدوره في ظل توافر المواد الإنشائية بكثرة وبأسعار مناسبة ، فضلا عن سهولة نقلها ان يهيئ لزوجته مسكناً بمواد انشائية وبمواصفات تناسب البيئة الاجتماعية المحلية .
ففي الواقع هنالك العديد من الفلاحين والمزارعين الذين يحصلون على مبالغ طائلة من بيع منتجاتهم الزراعية والحيوانية ، وعلى الرغم من ذلك ما زالوا يسكنون في مساكن مشيدة بمواد إنشائية بدائية ، مما يشكل إضرار بيناً بالزوجة ، وهذا الامر يستوجب معه إلزام الزوج بتهيئة 2. . المسكن الملائم لأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية
كما نود ان نشير الى ان هنالك بعض الحالات الاستثنائية من المبدأ القاضي بإلزام الزوج بتهيئة المسكن وفقاً للبيئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الزوجان وهي حالات اللاجئين والنازحين نتيجة الكواريث كالحروب والزلازل والحرائق والفيضانات ، حيث تعمد الدول أو 4 المنظمات الدولية الانسانية الى تهيئة مخيمات مؤقتة لهؤلاء المنكوبين ، فتعتبر هذه المخيمات مساكن شرعية تلزم الزوجة بالطاعة فيها ، وليس لها طلب مسكن آخر وذلك بغض النظر عن البيئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الزوجان ، وهو ما قضت به محكمة الاستئناف الشرعية في
المملكة الأردنية الهاشمية ، حيث قضت بأن (مساكن اللاجئين التي تخص الأسرى وفقاً للعرف والعادة والتي ينبغي أن يسكنوا فيها ليس للزوجة ان تخرج منها وتطلب مسكناً آخر إلا بوجه شرعي
 وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض الازواج الذين يضطرون بسبب العمل الى الانتقال بزوجاتهم من المدينة الى الريف ، اذ يعتبر المسكن الريفي المعد من الطين او الحجر أو القصب مسكناً شرعياً وليس للزوجة ان تطلب غيره وان كان لا يلائم البيئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الزوجان ، وهو ما قضت به محكمة التمييز العراقية من ان ( الزوجة مكلفة شرعاً بمطاوعة زوجها في محل عمله ، فإن كانت طبيعة عمله تستوجب السكنى في الريف فليس للزوجة الامتناع عن مطاوعته في ذلك )
الفرع الثاني
المعيار المعتبر في تحديد حجم المسكن الشرعي
للتعرف على حجم المسكن الشرعي الذي يلتزم بإعداده الزوج لزوجته لا بد من معرفة المعيار المعتبر الذي يتحدد بموجبه حجم المسكن الشرعي ، فهنالك ثلاثة اتجاهات فقهية تبنى كل اتجاه معياراً خاصاً لذلك .
 فالاتجاه الأول قال بوجوب تحديد حجم المسكن الشرعي وفقاً لحالة الزوجين الاقتصادية والاتجاه الثانى قال بوجوب تحديده وفقاً لحالة الزوجة والثالث قال بوجوب تحديده وفقاً لحالة الزوج ، وسنبين حجم المسكن الشرعي الذي قال به كل اتجاه على حدة ثم نبين موقف المشرع العراقي والتشريعات العربية المقارنة وذلك على النحو الأتي:
 الاتجاه الأول – وجوب تقدير حجم المسكن وفقاً لحالة الزوجين :
واصحاب هذا الاتجاه هم فقهاء المالكية والحنابلة والزيدية وقسم من فقهاء الحنفية . فقد جاء في كتب المالكية : ( ان وجوب الاسكان على الزوج لزوجته كالنفقة وان السكنى قدراً وصفة ومكاناً باعتبار حال الزوجين ) [34] .
 وقال الحنابلة : ( يكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما ) [35] ، لقوله تعالى : (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) [36]
وقال الزيدية : ( ان السكنى التي تجلب للزوجة تكون على قدر حال الزوج والزوجة وما جرى به العرف في البلد من اليسار والاعسار) ، لقوله تعالى : ( وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره ))[37].

 وجاء في كتب الحنفية : ( واعلم ان المسكن لا بد من ان يكون بقدر حالهما ، فليس مسكن الاغنياء كمسكن الفقراء ) [38].
 ووفقاً لهذا الاتجاه فأن الزوجين إن كانا موسرين فعلى الزوج تهيئة مسكن الأغنياء وإن كانا معسرين فله تهيئة مسكن الفقراء وإن كانا متوسطي الحال لزمه إعداد مسكن متوسطي الحال وان كان الزوج موسراً والزوجة معسرة فيجب عليه تهيئة مسكن متوسطي الحال ولكن ما الحكم ان كان الزوج معسراً والزوجة موسرة ؟
قياساً على النفقة باعتبارها تشمل المسكن مع النفقات الأخرى قال الحنفية :
 الزوج المعسر مكلف بالأنفاق على زوجته بقدر وسعه والباقي يكون ديناً لها في ذمته [39]، فهل يسري هذا الحكم على المسكن ؟
للإجابة عن هذا التساؤل ومعرفة حجم المسكن الشرعي وفقاً لهذا الإتجاه نعرض التفصيل الذي قال به احد الفقهاء المحدثين [40] ، وعلى النحو الآتي :
اولاً - اذا كان الزوجان موسرين ، فعلى الزوج ان يسكنها في دار على حدة تناسب يسارهما من جهة سعة الدار وبنائه ومشتملاته ومرافقه وأثاثه وموقعه
ثانياً - اذا كان الزوجان متوسطي الحال ، فعلى الزوج ان يسكنها إما بدار مستقلة صغيرة تناسب حالهما او يسكنها بشقة في عمارة تناسب حالهما . .
 ثالثاً - ان كان الزوجان فقيرين فعلى الزوج ان يسكنها في الاقل بيتاً من دار ( غرفة ) بمرافق مستقلة أو بمرافق في الدار يشترك فيها اهل البيوت ( الغرف ) الاخرى . في الدار .
 رابعاً - اذا كان الزوج موسراً والزوجة معسرة ، فعلى الزوج ان يسكنها في دار منفردة ولو صغيرة نظراً إلى يساره أو يسكنها بشقة من عمارة ، كما لو كانا متوسطي الحال، لان مسكنها بهذه الكيفية هو المناسب لحالهما .
خامساً - اذا كان الزوج فقيراً والزوجة موسرة، فالواجب ان يسكنها في بيت ( غرفة ) من دار بمرافق خاصة به او مشتركة مع البيوت (الغرف ) الاخرى في الدار ، ولا يكلف الزوج باكثر من ذلك ، لان ما زاد على هذا القدر هو من باب الترفه ، ولا يلزم بها الزوج العاجز عنها، ولا يقال ان على الزوج فرق الاجرتين ، أي اجرة المسكن الذي تستحقه ، واجرة هذا المسكن الذي اسكنها فيه ، وهذا الفرق يكون ديناً لها في ذمته ، لا يقال هذا لان الفقهاء الذين يعتبرون النفقة بقدر حال الزوجين لم يقل احد منهم بان للزوجة على زوجها فرق ما بين اجرة مسكن المثل الذي تستحقه وبين اجرة المسكن الذي اسكنها فيه .

الاتجاه الثاني – تقدير حجم المسكن وفقاً لحالة الزوجة :
 واصحاب هذا الاتجاه هم الشافعية والامامية وقسم من فقهاء الحنفية الذين يرون وجوب تقدير حجم المسكن الشرعي وفقاً لحالة الزوجة من الغنى والفقر من جهة او وفقاً لما جرى عليه العرف والعادة في بلد السكنى من جهة اخرى .
 فقد جاء في كتب الشافعية : ( ويجب لها عليه مسكن ، ولا بد أن يكون (المسكن) لائقاً بها عادة ، لانها لا تملك الانتقال منه فروعي فيه جانبها ، بخلاف النفقة والكسوة ، حيث روعي فيهما حال الزوج ، لانها لا تملك ابدالهما ، فإن لم تكن ممن يسكن الخان اسكنت داراً او حجرة

وينظر الى ما يليق بها من سعة أو ضيق ) [41]  ، لقوله تعالى : (لا تضاروهن لتضيقوا عليهن)[42].
فالشافعية يعتبرون بحال الزوجة عند تقدير المسكن وبحال الزوج عند تقدير الطعام والكسوة ، لان الاطعام والكسوة يعتبر فيهما التمليك بمعنى ان الزوج يملكها إياها وهو لا يملك إلا بما قدر عليه ، اما المسكن ، فالمعتبر فيه المتعة اذ ان الزوج لا يملك زوجته المسكن ، وانما هو ملزم بان يمتعها به حسب حالها [43] .
 وجاء في المادة 8 ٢٩ من الاحكام الجعفرية : ( يجب على الزوج السكان زوجته في دار تليق بها حسب عادة امثالها وبها من المرافق ما تحتاج اليه )[44]
ويظهر رأي بعض فقهاء الحنفية من خلال ما نقله العلامة ابن عابدين عن ملتقط أبي القاسم ، حيث قال : ( وان ذلك يختلف باختلاف الناس ، ففي الشريفة ذات اليسار لا بد من افرادها في دار ومتوسطة الحال يكفيها بيت واحد من دار ( غرفة ) ، ولو مع احمائها او ضرتها ، كأكثر الإعراب وأهل القرى والمدن الذين يسكنون الربوع والاحواش)  [45] .
المبحث الثاني
حالات استحقاق الزوجة للسكن
يعتبر حق السكنى من الحقوق المالية الناشئة عند قيام الرابطة الزوجية وقبيل انتهائها، أي في فترة عدتها من الوفاة أو الطلاق .
 وقد ينشأ هذا الحق بعد انتهاء مدة العدة وصيرورة الزوجة اجنبية عن الزوج ، وذلك بسبب حضانتها لاولادها من مطلقها او لاعتبارات اجتماعية وانسانية كما فعل المشرع العراقي بالقانون المرقم (VV) لسنة ٩٨٢ 1 الذي أعطى بموجبه للزوجة المطلقة الحق في البقاء ساكنة ) . بعد الطلاق في مسكن الزوجية المملوك للزوج ولمدة ثلاث سنوات وبدون بدل من تاريخ اخلاء 2 الزوج للمسكن .
المطلب الاول
سكن الزوجة
أقرت الشريعة الإسلامية وكذلك قوانين الأحوال الشخصية العربية ومنها قانون الاحوال الشخصية العراقي . الحق للزوجة بمطالبة زوجها باعداد مسكن ملائم لها من حين العقد . وذلك على وفق شروط معينة وسوف نبين في هذا المطلب الأساس الشرعي والقانوني لحق الزوجة في المطالبة بالمسكن الشرعي وشروط استحقاقه ، وذلك في الفرعين الاتيين :
الفرع الاول
الأساس الشرعي والقانوني لسكنى الزوجة
اولاً – الأساس الشرعي :
 قال تعالى في محكم التنزيل : ( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )[46] ، وقال سبحانه : ( وعاشروهن بالمعروف ) [47] .
والامر الاطلاق يقتضى الوجوب ، واذا كانت الأية قد افادت وجوب سكنى المطلقة لورودها ) يه
في شأنها فوجوبها لمن هي في عصمة الزوج أولى [48] .
اما وجه الاستدلال في الأية الثانية ، فهو ان مرن مقتضنی المعاشرة بالمعروف الزوجين اسكانها في بيت لانه ضروري لمصلحتها والمصلحة الزوج على الدوام ، ولان الزوجة لا يمكن ان تستغني عن المسكن فقد جرى هذا الاخير مجرى النفقة والكسوة من حيث الوجوب [49] .
ب – السنة النبوية :
 ما رواه أحمد ومسلم عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) في المطلقة ثلاثاً انه قال : ( ليس لها سكنى ولا نفقة ) [50].
ووجه الاستدلال ان الحديث نفى حق السكنى للمطلقة ثلاثاً بمنطوقه ، فأفاد بدلالة المفهوم المخالف ايجابها للزوجة [51] .
ج – الإجماع : اجمع الفقهاء المسلمون على وجوب السكنى اللزوجة عند قيام الرابطة الزوجية ولم يكتفوا بذلك بل بينوا الشروط والضوابط التي يجب توافرها في المسكن والا عد غير شرعي ولا تلتزم الزوجة بالطاعة فيه شرعاً ، ولا يعد خروجها منه نشوزاً مسقطاً لنفقتها .
 د - المعقول : ان المرأة لا تستغني عن المسكن للاستتار عن الاعين والاستمتاع وحفظ المتاع والتصرف في شؤونها ، فوجبت لها السكنى تحقيقاً لذلك  [52] .
 ثانياً – الأساس القانوني :
أشارت جميع القوانين ومنها قانون الاحوال الشخصية العراقي بصورة مباشرة أو غير مباشرة الى الزام الزوج بتهيئة المسكن الشرعي لزوجته ، فقانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ وان لم ينص صراحة على حق الزوجة في السكنى الا ان ذلك يفهم ضمناً وبصورة جلية من خلال نص المادة ( 5٢ ) في فقرتها الثانية ، حيث نصت على ان ( لا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها ولا تعتبر ناشزاً اذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الأضرار بها أو التضييق عليها ، ويعتبر من قبيل التعسف والاضرار بوجه خاص ما يأتي :
أ - عدم تهيئة الزوج لزوجته بيتاً شرعياً يتناسب مع حالة الزوجين الاجتماعية والاقتصادية .
ب – اذا كان البيت الشرعي المهيأ بعيداً عن محل عمل الزوجة ، بحيث يتعذر معه التوفيق بين التزاماتها البيتية والوظيفية .
 ج - اذا كانت الاثاث المجهزة للبيت الشرعي لا تعود للزوج . )
كما نصت المادة ( 36 ) من قانون الاحوال الشخصية الاردني المرقم ٢٦٦٨ لسنة ۱۹۷۷ المعدل ، علی ان ( یهيئ الزوج المسکن المحتوي علی اللوازم الشرعیة حسب حاله وفي محلی اقامته ) .
 كما نصت المادة ( 65 ) من قانون الاحوال الشخصية السوري المرقم ( 59 ) لسنة ١٩٥3 المعدل ، بأنه ( على الزوج السكان زوجته في مسكن امثاله ) .
كما يفهم ذلك ضمناً من خلال نص المادة ( 2 ) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم (44) لسنة ٩٧٩ 1 ، حيث نصت ( تجلب النفقة للزوجة على زوجها ...... وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ...... ) ، فالنفقة واجبة للزوجة على زوجها والمسكن جزء منها ، فيكون واجباً عليه ايضا ) .
 وهذه النصوص واضحة وصريحة في الزام الزوج بتهيئة المسكن للزوجة ولا تحتاج الى أي توضيح .
 كما اكدت هذا الحق جميع القرارات القضائية العربية والعراقية ، حيث قضت محكمة التمييز العراقية بأنه : ( يجب ان يسبق حكم المطاوعة تكليف المحكمة للزوج باعداد البيت الشرعي )[53].
حيث قضت محكمة النقض السورية بانه : ( تستحق الزوجة النفقة من زوجها في حالة عدم تهيئة المسكن الشرعي لها )[54] .
 وقضت المحاكم المصرية بان ( الاساس في المسكن الشرعي هو ان يسكن الزوج زوجته في بيت تكون فيه آمنة على نفسها ومتاعها ، ولا يوجد ما يمنعها من معاشرة زوجها فيه ) [55].

القوع الثاني
شروط استحقاق الزوجة للسكنى
 ان حق الزوجة في السكنى باعتباره جزءاً من النفقة يسري عليه ما يسري على النفقة من احکام تتعلق بوقت و کیفیهٔ وجوبها و شروط استحقاقها .
 فالزوج ملزم من حين العقد باعداد مسكن شرعي لزوجته وتمكينها من الانتفاع به ، وهو ما يطلق عليه فقهاً بنفقة التمكين ، فان امتنع عن ذلك ورفعت الزوجة امرها الى القضاء فرض القاضي لها اجرة مسكن فضلاً عن بدل النفقات الاخرى ، وهو ما يطلق عليه بنفقة التمليك [56]
 ولاستحقاق الزوجة للسكنى أو اجرتها ويقية النفقات الاخرى لا بد من توافر شرطين اساسيين هما :
أولاً – ان يكون عقد الزواج صحيحاً . ثانياً - ان يتحقق احتباس الزوج لزوجته . بان تكون الزوجة مستعدة للدخول في طاعته ، وغير ممتنعة عن الانتقال اليه في بيته [57]، وان لا تخرج منه بعد دخولها دون عذر شرعي وان تخلي الزوجة بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها او الاستمتاع بها اذا كان المانع من قبلها او من قبل غير الزوج [58] .
وبناءاً على هذين الشرطين نبين فيما يأتي الزوجات اللواتي ليس لهن الحق في السكنى اضافة لعدم استحقاقهن للنفقة .
 أولاً- المعقود عليها بعقد فاسد أو باطل الموطوءة بشبهة :
لا تستحق أي منهن السكنى لتخلف شرط وجوبها وهو صحة عقد النكاح وما يقتضيه من وجوب التفريق بينهما ، وهو ما يؤدي بالضرورة الى فوات احتباس الزوج لزوجته ، وهو ما اجمع عليه الفقهاء واجمعت عليه قوانين الاحوال الشخصية العربية المقارنة باستثناء مشروع القانون العربي الموحد .
فقد قال الامام الشافعي (رحمه الله ) : ( كل وصف من متعة او نفقة او سكنى فليست الا في نکاح صحیح ) [59]

وقال ابن قدامة : ( ولا تجلب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لانه ليس بينهما نكاح صحيح . فان طلقها او فرق بينهما قبل الوطء فلا عدة عليها ، وإن كان بعد الوطء فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى) [60] .
وبالنسبة لمواقف القوانين العربية المقارنة من ذلك . فانها لم تنص صراحة على عدم استحقاق المعقود عليها بعقد فاسد او باطل للسكنى ولكن يمكن ان نستشف ذلك من خلال النصوص المتعلقة بالنفقة باعتبار السكنى جزءاً منه .
فقد نصت المادة (٢٢) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ في فقرتها الاولى على انه (1 – تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت اهلها الا اذا طالبها الزوج بالانتقال الى بيته فامتنعت بغير حق) ، والواضح من هذا النص ان الزوجة تستحق النفقة (ومنها السكنى) بموجب العقد الصحيح فان كان العقد فاسداً أو باطلاً أو كانت الزوجة موطوءة بشبهة ، فانها لا تستحق السكنى وبقية النفقات الاخرى وفقاً لمفهوم المخالفة لهذا النص ، كما نصت على ذلك المادة (V٢) من قانون الاحوال الشخصية السوري في فقرتها الاولى على انه ( 1 – تجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح ...) كما نصت المادة (Y) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم (٤٤) لسنة ١٩٧٩ على انه (تجلب النفقة للزوج على الزوجة من حين العقد الصحيح...) .
كما نصت المواد (1%) و (٤٢) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ صراحة على عدم استحقاق المعقود عليها بعقد باطل أو فاسد للنفقة [61].
اما مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية فانه . اعطى في المادة (1 % /د) منه للمعقود عليها بعقد فاسد حق النفقة (ومنها السكنى) اذا كانت المرأة جاهلة فساد العقد وتم الدخول بها  [62] .

و نود ان نشیر هنا الی انه اذا فرض القاضي للزوجة علی زوجها اجرة مسکن وبدل النفقات الاخرى ثم تبين بعد ذلك فساد العقد فرق القاضي بينهما ، وللزوج الرجوع عليها بما دفعه لها. (و منها السکنی) .
 ثانياً – الزوجة الصغيرة:
 ميز الفقهاء بين ثلاث حالات في مسألة الزوجة الصغيرة وهي :
 1 – الصغيرة التي تصلح للمعاشرة الزوجية ، وقد سلمت نفسها الى الزوج تستحق بقية النفقات الاخرى ، شأنها في ذلك شأن الزوجة الكبيرة [63].
 2.  صدغيرة تصلح للخدمة والاستثناسی دور المعاشرة الزوجية


 قال قسم من الفقهاء انها لا تستحق النفقة ومنها ( السكنى ) لعدم امكان استيفاء ما يمكن استيفاؤه من الزوجة [64] .
 وقال بعضهم ان اراد الزوج امساكها وهيأ لها مسكناً اسكنها فيه وجبت عليه السكنى وبقية النفقات الاخرى ، وان شاء ردها الى بيت اهلها دون إلزامه بشيء من نفقتها [65] .
 والواضح من هذين القولين انهما مختلفان في التفصيل ومتفقان من حيث عدم وجوب o السکنی للزوجة ان کانات غیر قادرة علی المعاشرة الزوجية [66]
 3٢ – الصغيرة التي لا تصلح للمعاشرة الزوجية ولا للخدمة او الاستئناس .
 لا تجب لها السكنى وبقية النفقات الاخرى باتفاق جميع الفقهاء [67] ، ولم يخالف في ذلك الا ابن حزم ، اذ قال بوجوب نفقة الزوجة على زوجها ومنها السكنى بمجرد العقد عليها صغيرة كانت ام كبيرة [68] .
 ويقول الاستاذ عبد الكريم زيدان في ترجيحه لرأي ابن حزم ( والراجح وجوب نفقة الصغيرة ( ومنها السكنى ) حتى لو لم تكن صالحة للوطء لان الزوج عندما عقد عليها كان يعلم انها صغيرة لا تطيق الوطء فكان ذلك رضاً منه بالتسليم الناقص ) [69] ، وهو ما تتفق معه في ترجیحه ، لان الانثی تسقط نفقتها عن ابیها او من یعیلها بزواجها ، فان تزوجت کانات نفقتها على زوجها"، فان سقطت عن زوجها ايضا لصغرها فالى من تكل نفسها وخاصة اذا كانت عاجزة عن الكسب لصغر سنها ؟ وعلى الرغم من ان معظم قوانين الاحوال الشخصية المقارنة لم تتضمن نصاً حول مسألة نفقة الصغيرة ومنها السكنى . فان محكمة التمييز العراقية قضت بان (الزوجة الصغيرة تستحق النفقة منذ ان تكون اهلاً للقيام بالواجبات الزوجية كما تستحق النفقة المستمرة حتى اعداد البيت الشرعي لمحل سكنى الزوج ما لم تشترط في العقد السكنى في محل معين )  [70]
وقضت بان (الزوجة الصغيرة لا تستحق النفقة الا من تاريخ اهليتها للزواج ويعتبر البلوغ الشرعي من دلالات ذلك)[71] ، ونستشف من هذين القرارين ان القضاء العراقي اشترط لاستحقاق الزوجة الصغيرة للنفقة (ومنها السكنى) ان تكون صالحة للمعاشرة الزوجية .

ثالثاً - الزوجة المريضة : يميز الفقهاء في مسألة الزوجة المريضة ومدى استحقاقها للنفقة ومنها السكنى بين حالتين :
الأولى - اذا سلمت نفسها للزوج في بيته ثم مرضت عنده ، لها النفقة (ومنها السكنى ) باتفاق جميع الفقهاء [72] ، لانها سلمت نفسها اليه .
 الثانية – اذا مرضت قبل انتقالها الى مسكن زوجها ، فهنالك رأيان :
1 - لا نفقة لها ولا سكنى ، لان وجوب السكنى والنفقة هو التسليم الذي يمكن معه الوطء ، وهو غير ممكن في المريضة [73] .
 ٢- اذا امكنها الانتقال الى مسكن زوجها ، فلها السكنى والنفقة لتحقق الاحتباس وان كان ناقصاً [74] " .


  

وهنالك رأي عند الفقهاء يقضي بوجوب النفقة للزوجة في أنواعها كافة ، ومنها السكنى وفي كل الاحوال سواء أكانت الزوجة مريضة ام صغيرة تصلح للجماع ام لا [75]، وهو ما نؤيده لما بيناه في سكنى الزوجة الصغيرة . هذا بالنسبة لاراء الفقهاء . اما بالنسبة لمواقف القوانين المقارنة والقضاء فانها لم تتضمن نصاً حول نفقة وسكنى المريضة كما اننا لم نجد في حدود اطلاعنا قراراً قضائياً بهذا الشأن .
رابعاً – الناشز :
وهي المرأة الخارجة عن طاعة زوجها بأن خرجت من مسكنها بغير إذنه أو منعته من الدخول عليها في مسكنها ولم تمكنه من نفسها دون عذر شرعي [76]، ويعتبر سقوط نفقتها ومنها السكنى أحد الأثار التي تترتب على نشوزها . وعلى ذلك نصت المادة (25) من قانون الاحوال الشخصية النافذ في فقرتها الاولى (لا نفقة للزوجة في الاحوال الاتية : 1- اذا تركت بيت زوجها بلا اذن وبغير وجه شرعي) ، كما نصت المادة (74 ) من قانون الاحوال الشخصية النافذ على انه (اذا نشزت المرأة فلا نفقة لها مدة النشوز) ، كما نصت المادة (67) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ على انه (اذا نشزت الزوجة فلا نفقة لها والناشز هي التي تترك بيت الزوجية بلا مسوغ شرعي أو تمنع الزوج من الدخول الى بيتها قبل طلبها النقل الى بيت اخر ويعتبر من المسوغات الشرعية لخروجها من المسكن ايذاء الزوج لها بالضرب او سوء المعاشرة)، كما نصت على ذلك المادة (57) من مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية، اما قانون الاحوال الشخصية المصري فلم يتضمن نصاً بهذا الشأن .
وهنالك حالات عديدة يسقط بها حق السكنى للزوجة كالمرتدة والامة والمحبوسة والمطاوعة لابن زوجها . ولا مجال لبيانها لذلك نكتفي بهذا القدر ونحيلها الى الاحكام المتعلقة بالنفقة على اعتبار ان السكنى جزء من النفقة ، فكل زوجة لا تستحق النفقة على زوجها لا تستحق السكنى تبعاً لذلك [77]


المطلب الثاني
سكنى المعتدة
ان المعتدة اما ان تكون معتدة من وفاة او طلاق وسنبين فيما يلي اراء الفقهاء ومواقف القوانين في مسألة سكنى المعتدة من وفاة او طلاق ثم نبين بعد ذلك بعض الاحكام الخاصة بسكنى المعتدة وذلك بالفروع الثلاثة الأتية :
الفرع الاول
سكنى المعتدة من وفاة
       سنبين فى هذا المطلب أراء الفقهاء وموقف القوانين من سكنى المعتدة من وفاة وعلى النحو الاتي  :
أولاً –آراء الفقهاء في سكنى المعتدة من وفاة :
 اختلفت اقوال الفقهاء في سكنى المعتدة من وفاة في اتجاهين :
 الاتجاه الأول – قال لا سكنى لها في اثناء عدتها حائلاً كانت ام حاملاً :
 وهذا قول الحنفية والظاهرية والمشهور لدى الحنابلة ، إذ قال الحنيفة : لا سكنى لها في مال زوجها المتوفى سواء كانت حائلاً ام حاملاً صغيرة ام كبيرة مسلمة ام كتابية معتدة من نكاح فاسد في الوفاة ام من نكاح صحيح ، لان اموال الزوج بموته تنتقل الى ورثته فلا يجوز ان تنتقل السكنى في مال الورثة [78]
وقال ابن حزم ( وتعتد المتوفى عنها زوجها والمطلقة ثلاثا والمعتقة تختار فراق حيث أحبت ولا سكنى لهن لا على المطلق ولا على ورثة الميت) [79]
 وللأمامية في هذه المسألة قولان :
 الاول قال : ان كانت الزوجة حاملاً ومات زوجها فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته، إلا مع انقضاء عدتها حيث تنافي القسمة حقها السابق في السكنى ، والثاني قال: لا سكنى لها مطلقاًة فيعطل حقها من المسكن وهو المشهور لديهم [80]
وقال الحنابلة لا سكنى للمتوفى عنها زوجها ان كانت حائلاً لان النكاح قد زال بالموت اما الهامل، ففيها روايتان :
 الاولی - الها السکنی لانها حامل من زوجها المتوفی ، فتکون الها السکنی کما لو طلقها و هي حامل في حال حياته .
والثانية - لا سكنى لها لان مال المتوفى انتقل الى الورثة وسكناها انما يكون للحمل او لها من اجله ، ولا يلزم ذلك الورثة لانه ان كان للميت مال يوريث عنه فنفقة الحمل من نصيبه من الميراث وان لم يكن للميت مال يورث عنه لم يلزم وارث الميت بالانفاق على حمل امرأته ، كما
هو بعد الولادة قال القاضي الحنبلي هذه الرواية اصح [81] .
الاتجاه الثاني – المعتدة الوفاة السكنى حائلاً كانت ام حاملاً :
وهو قول المالكية والمشهور لدى الشافعية . إذ قال المالكية : ان معتدة الوفاة لها السكنى ان دخل بها الزوج وهي مطيقة للوطاء واما غير المطيقة فلا سكنى لها إلا اذا اسكنها قبل الموت ، فلها السكنى دخل بها ام لم يدخل بشرط ان يكون المسكن الذي مات فيه ملكاً له أو مستأجراً وقد دفع كراءه وإن لم يكن قد دفعه فلصاحب الدار اخراجها منه[82].
 اما الشافعية فلهم قولان : الاول ، لا سكنى لها . والثاني ، وهو المشهور لديهم، لها السكنى لأمره صلى الله عليه وسلم فريعة (بضم الفاء) بنت مالك اخت ابي سعيد الخدري لما قتل زوجها ان تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب اجله فاعتدت فيه اربعة أشهر وعشرة ايام كما ان السكنى لصيانة ماء الرجل وهي موجودة بعد وفاته وفي حال حياته وان السكنى حق لله تعالى ، فلم تسقط بالوفاة بخلاف النفقة فهي تسقط بسبب الميراث بعد الوفاة [83].
والراجح من الاتجاهين السابقين في سكنى المعتدة من وفاة هو اتجاه المالكية والشافعية القاضي بحقها في السكنى في اثناء عدتها حائلا كانت ام حاملا ، وذلك للاعتبارات الاتية :
1)  ان السكنى تثبت لكل معتدة اعتمادا على قوله تعالى ( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )  [84]، فهي واردة في المطلقة وقيس عليها غيرها من المعتدات  [85]
2)   لقوله صلى الله عليه وسلم للفريعة لما قتل زوجها ( امكثي في بيتك حتى يبلغ الكاتب اجله ) فاعتدت فيه اربعة أشهر وعشرا وقد اخرج هذا الحديث الامام الترمذي في جامعه وقال عنه (( هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند اكثر اهل العلم من

اصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم ولم يرو للمعتد ان تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها ، وقال بعض اهل العلم من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم للمرأة ان تعتد حيث شاءت وان لم تعتد في بيت زوجها قال الترمذي والقول الاول اصح)) [86].
 3) ان القول بأنه لا سبيل إلى ايجاب نفقة المتوفى عنها زوجها ( ومن ضمنها السكنى) على زوجها المتوفى لانتهاء ملكه بالوفاة : قول غير مسلم به لان الفقهاء قالوا ان التركة تبقی علی حکم ملك المورث ، حتی تستوفی الحقوق الواجبة المتعلقهٔ بها کالدیون والوصايا فتعتبر نفقة عدة زوجته (ومنها السكنى) من تلك الحقوق المتعلقة بالتركة فتؤدى منها كما تؤدى الديون والوصايا[87]  
4) ان المعتدة قد يصعب عليها الحصول على مسكن بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، وخاصة ان كانت حاملاً أو ليس لها اقارب من المحارم تستطيع السكنى معهم ، فضلاً عن حالة الاسى والحزن التي تكون عليها الزوجة عند الفراق . لذا فالأجدر ان يكون لمعتدة الوفاة الحق في السكنى في مسكن الزوجية سواء أكان مملوكاً للزوج ام مستأجراً ودفع اجرته سلفاً الا اذا كان لمعتدة الوفاة مسكن خاص بها او كانت تقيم في مسكن اهلها ، وكان الورثة يسكنون في مسكن الزوجية لفقرهم فلا يكون حينئذ لها حق السکنی فیه

. ثانياً- موقف القانون والقضاء من سكنى معتدة الوفاة :
 اشارت المادة ( 50) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ في شطرها الاخير الى عدم استحقاق معتدة الوفاة للنفقة [88]، والنفقة بموجب الفقرة الثانية من المادة (٢٤) من القانون تشمل الطعام والسكنى والكسوة  [89]، وعليه فإن معتدة الوفاة وفقا لقانون الاحوال الشخصية العراقي ليس لها حق السكنى في مسكن الزوجية سواء أكان ملكاً للزوج ام مستأجراً ودفع الزوج اجرته قبل وفاته وللورثة حق اخراجها منه تبعاً لذلك .

وقد اكد القضاء العراقي ذلك إذ قضت محكمة التمييز بأنه ( تجب نفقة العدة للزوجة على زوجها الحي ولو كانت ناشزا ولانفقة بعد وفاته ولا تستثنى من ذلك المطلقة اليائس) [90].
وموقف القانون السوري والاردني لا يختلف عن موقف القانون العراقي في عدم استحقاق معتدة الوفاة للسكنى إذ نصت المادة (٨٢) من قانون الاحوال الشخصية السوري النافذ على انه (تجب على الرجل نفقة معتدته من طلاق أو تفريق او فسخ). ولم تذكر هذه المادة نفقة المعتدة بعد الوفاة ويفهم منها عدم استحقاق معتدة الوفاة للنفقة (ومن ضمنها السكنى) وقد قضت بذلك صراحة محكمة النقض السورية بأن ( لا نفقة لمعتدة الوفاة) [91] ، كما نصت المادة (144) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ على انه ( ليس للمرأة التي توفي زوجها سواء كانت حاملا او غير حامل نفقة عدة ).
كما نصت المادة (2) من قانون الاحوال الشخصية المصري المرقم (٢٥) لسنة ١٩٢0 على ان (المطلقة التي تستحق النفقة تعتبر نفقتها ديناً (في ذمة زوجها) من تاريخ الطلاق) فقد ذكرت هذه المادة المطلقة دون المعتدة من وفاة في استحقاقها للنفقة (ومنها السكنى) مما يعني عدم استحقاق معتدة الوفاة للسكنى وفقاً للقانون المصري .
الفرع الثاني
سكنى المعتدة من طلاق
ينقسم الطلاق بصورة عامة الى طلاق رجعي وطلاق بائن والمطلقة طلاقاً رجعياً هي التي يستحق زوجها عليها الرجعة في اثناء عدتها بدون رضائها ومن غير عقد ولا مهر فهو لايزيل الحل ولا يقطع الزوجية [92].
" اما المطلقة طلاقاً بائناً (المبتوتة) فهي التي لا يستحق زوجها عليها الرجعة كالمطلقة ثلاثاً والمخالعة ومن طلقها القاضي ومن فسخ عقد نكاحها [93].
وفي كل حالات الطلاق فأن للزوج المطلق حق العدة على زوجته ولا تستطيع نكاح زوج غيره قبل انقضائها وما يهمنا في هذا الصدد هو معرفة ما اذا كان للمطلقة رجعيا او بائنا حق  السكنى على زوجها ام لا؟ وهذا ماسنتعرف عليه تباعاً من خلال عرض اراء الفقهاء وبيان موقف القوانين العربية المقارنة وعلى النحو الاتي
أولاً-أراء الفقهاء في سكنى المعتدة من طلاق :
 بالنسبة الى المطلقة طلاقاً رجعياً فقد اجمع الفقهاء [94] على انها تعتبر زوجة حكماً ولها من الحقوق ما للزوجة حقيقة ومنها النفقة بانواعها الطعام والكسوة والسكنى وغيرها ، وذلك لصراحة قوله تعالى ( ياأيها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ، وأحصوا العدة ، اتقوا الله ربكم ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة ، مبينة وتلك حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا فاذا بلغن اجلهن فأمسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف ...) [95].
 اما بالنسبة الى المطلقة البائن فان استحقاقها للسكنى يتوقف على ما اذا كانت حاملاً ام حائلاً .
 فالمطلقة البائن الحامل اجمع الفقهاء، على ان لها السكنى على زوجها فضلاً عن بقية النفقات الاخرى لصريح قوله تعالى ( وإن كن اولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [96] ، ولان الحمل ولده فيلزمه الانفاق عليه ولايمكنه ذلك الا بالانفاق عليها ، ولانها مشغولة بمائه فهو مستمتع برحمها فصار كالمستمتع بها حال الزوجية[97] فيكون لها السكنى تبعاً لذلك .
اما بالنسبة الى البائن الحائل فللفقهاء اتجاهان في شأن سكناها .
الاول قال : لها السكنى ، والثاني قال : ليس لها السكنى على مطلقها ، وسنبين فيما يأتي اصحاب كل اتجاه وادلته وذلك على النحو الاتي :
الاتجاه الاول – للبائن الحائل السكنى :
واصحاب هذا الاتجاه هم الحنفية والمالكية والشافعية مستدلين في ذلك بما يأتي:

اولاً : قوله تعالى ( يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [98] يشمل المطلقة طلاقاً رجعياً والمطلقة طلاقاً بائناً وقوله تعالى بعد هذه الاية الكريمة ( اسكنوهن من حيث سكنتهم من وجدكم ) [99] امر بالاسكان فيجب ان يرجع هذا الامر ايضاً الى المطلقات رجعياً او بائناً [100]
ثانياً : قوله تعالى ( لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الى ان يأتين بفاحشة مبينة ) [101] وهذا عام في الرجعيات والبوائن الحوامل منهن والحوائل [102]
ثالثاً : قوله تعالى ( لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله ) [103] ولم يفرق ما بين قبل الطلاق أو بعده في العدة [104].
رابعاً- عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المطلقة ثلاثا لها النفقة والسكنى ) [105]. وعن ابن مسعود وعمر رضي الله عنهما قالا ( المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ) [106]
خامساً- لان السكنى والنفقة من الحقوق المالية للزوجة بسبب النكاح والعدة هي من اثار النكاح فتجب السكنى والنفقة للمطلقة وإن كانت في العدة ، لان العدة من متطلبات النكاح [107].
سادساً- ان النفقة (ومنها السكنى) تجب لاحتباس الزوجة على الزوج ، والمبتوتة محتبسة لحق الولد بمعنى ان العدة انما وجبت عليها لتبين خلو رحمها من ولد مطلقها ام شغلها به [108]
سابعاً- ولان اله حبوسة ممنوعة عن الخروج , Y تقدر علی اكتساب النفقة ، فلو لم تکن نفقتها على الزواج ولا مال لها لهلكت وضاق الامر عليها وعسر ، وهذا لا يجوز [109] .

ومما تجدر الاشارة اليه هو ان وجوب السكنى عند اصحاب هذا الاتجاه تثبت للمعتدة من طلاق بائن سواء أكانت صغيرة أم كبيرة مسلمة أم كتابية ويعللون هذا الشمول أو العموم بأن الدلائل الدالة على وجوب النفقة ومنها السكنى للمعتدة من طلاق بائن لا توجب الفصل والتفريق بين هؤلاء المذكورات من المطلقات بائناً.
 الاتجاه الثاني - ليس للبائن الحائل السكنى :
 وهو ما قال به فقهاء الحنابلة وابن حزم الظاهري والمشهور لدى الشيعة الامامية [110] مستدلين بما يأتي :
أولاً - قوله تعالى (وإن كن اولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن [111]). فقد دلت هذه الاية الكريمة على سقوط النفقة ومنها السكنى عن البائن الحائل من ثلاثة اوجه :
1) ان الله سبحانه وتعالى قد شرط الامر بالانفاق بالحمل فإذا اختلف الشرط تخلف المشروط ضرورة والمبتوتة الحائل قد تخلف فيها شرط الحمل فيتخلف المشروط وهو وجوب النفقة (ومنها السكنى ) تبعاً لذلك .
2) ان الله سبحانه وتعالى أمر بالإنفاق على الحوامل ومفهومه ان غير الحوامل ليس لهن نفقة ( ومنها السكنى ) .
3) ان ذكر الحمل في الاية الكريمة لا بد من ان يكون له فائدة وهي هنا تخصيص الحوامل بوجوب الانفاق ، والقول ان الحوائل في ذلك كالحوامل يفرغ هذا القيد من محتواه ويكون ذكر الحوامل على وفق هذا الاعتبار عبثاً يتنزه عنه الله عز وجل  [112]
 ثانياً - قوله تعالى ( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم )". أوجب ان يكون المسكن حيث وجود الزوج وذلك لايكون في البائنة [113].
 ثالثاً - حديث فاطمة بنت قيس بمختلف رواياته [114]، فقد روي عنها ان زوجها طلقها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان انفق عليها نفقة دون ، فلما رأت ذلك قالت والله  لأعلمن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فان كانت لي نفقة اخذت الذي يصلحني وان لم تكن لي نفقة لم اخذ منه شيئا ، قالت فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : (لا نفقة لك ولا سكنى).
 رابعاً- ان الزوجة بالطلاق البات تصبح اجنبية فتأخذ حكم سائر الاجنبيات واعتدادها لا يوجب لها سكنى أو نفقة كالمواطؤة بشبهة او زنا [115].
 خامسأ– ان النفقة والسكنى انما تجبان مقابل التمكن من الاستمتاع واستمتاعه بها غير ممكن بعد بينونتها [116].
 وبعد استعراض كلا الاتجاهين فاننا نميل الى ترجيح الاتجاه الاول القائل بحق المطلقة البائن الحائل في السكنى ، وذلك لقوة ادلته وحججه كما انه يراعي الاعتبارات الاجتماعية والانسانية ، فقد تكون المطلقة معسرة وليس لها من يعيلها او ينفق عليها في اثناء عدتها ، وهذا الامر يفرض على الزوج السكانها والانفاق عليها وذلك بحكم ما كان يربطه بها من روابط روحية وانسانية كما انها لا تستطيع الزواج بشخص اخر يتولى السكانها والانفاق عليها .
 ثانياً- موقف القوانين العربية المقارنة من سكنى المعتدة من طلاقة :
 بعد ان بينا اراء الفقهاء في مسألة سكنى المعتدة لا بد من بيان موقف قانون الاحوال الشخصية العراقي والقوانين العربية المقارنة . فبالنسبة الى موقف قانون الاحوال الشخصية العراقي من سكنى المعتدة نستشفه من خلال نص المادة ( 50 )  التي نصت على انه ( تجلب نفقت العدة للمطلقة على زوجها الحي ولو كانت ناشزاً ولا نفقة لعدة الوفاة ) إذ أوجبة هذه المادة نفقة العدة ومنها السكنى للمطلقة بشكل مطلق، دون تمييز بين المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً ، سواء أكانت حاملاً ام حائلاً وهو ما يعني ضمناً ان المطلقة البائن تستحق على مطلقها النفقة ومنها السكنى سواء أكانت حاملاً أم حائلاً وهو موقف جدير بالتأييد ، وعليه فقد قضت محكمة التمييز بان (المطلقة طلاقاً بأناً بينونة كبرى تستحق نفقة العدة)[117] .
 کما نصت المادة (۸۳) من قانون الاحوال الشخصیة السوری علی انته (تجد با علی الرجل نفقة معتدته من طلاق او تفريق او فسخ ) ونصت المادة (٦٩) من قانون الاحوال الشخصية الاردني  [118]على انه (تجلب على الرجل نفقة معتدتة  من طلاق او تفريق او فسخ ) كما  نصت المادة (2) من قانون الاحوال الشخصية المصري على انه (المطلقة التي تستحق النفقة تعتبر نفقتها بين (في ذمة زوجها) من تاريخ الطلاق) ، كما نصت المادة (55) من مشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية على انه (تجب على الزوج نفقة معتدته من طلاق أو تطليق او فسخ ما لم تكن ناشزة) .

ويستشف من جميع النصوص المتقدمة ان المعتدة تستحق النفقة ومنها السكنى سواء أكانت حاملاً أم حائلاً ومطلقة طلاقاً رجعياً أم بائناً . كما قضت بذلك محكمة النقض السورية بأن (المعتدة مجبرة على قضاء عدتها في بيت الزوجية) [119]. و (إن المدة التي قضتها المعتدة في بيت الزوجية بعد الطلاق تنزل من نفقة عدتها) [120]. كما قضت محكمة النقض المصرية بأن (نفقة المعتدة واجبة على مطلقها ما دامت في العدة) [121] و(شغل المسكن الذي كان مضافاً الى الزوجية وقت الطلاق والمملوك للمطلق لا يمنع الزوجة من الاعتداد به فان لم يسع سكانها او كان المطلق فاسقاً في الطلاق البائن فخروج الزوجة منه أولى)[122]. مما يعني ان للمطلقة البائن السكنى على مطلقها وفقاً للقضاء المصري والسوري .





المبحث الثالث
الشروط المتعلقة بالمسكن ذاته
قسمنا الشروط المتعلقة بذات المسكن الى مطلبين :

المطلب الأول : ضرورة توافر المرافق والمنافع الضرورية في المسكن الشرعي .
المطلب الثاني : ضرورة احتوائه على الأثاث والأدوات المنزلية .
المطلب الاول
ضرورة توافر المرافق والمنافع الضرورية في المسكن الشرعي
هنالك مجموعة من المرافق والمنافع الضرورية التي لا بد من توافرها في مسكن الزوجية ، وذلك بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للزوجين ، وسنبين فيما يأتي انواع هذه المرافق والمنافع ومواصفاتها :
الفرع الأول
 أنواع المرافق والمنافع الشرعية والقانونية
أياً كان المسكن الذي أعده الزوج لزوجته ، قصراً كان ام داراً ام غرفة ، لا بد من ان يكون له غلق (أي باب) يتحكم ساكنوه من الزوجين ومن يقيم معهم بفتحه وغلقه ، بحيث يكون مستوراً تمنع عنه شرفية الغير ، ولا يستطيع هذا الغير استراق السمع او البصر لما يدور بين الزوجين

وفضلاً عن الغلق ، لا بد أن يكون للمسكن مرافق ومنافع تامة ، ومن المرافق الضرورية والاساسية التي يجب توافرها في المسكن بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للزوجين ، هي المطبخ والحمام والمرافق الصحية ، حيث جاء في حاشية ابن عابدين : ( ولزوم كنيف ومطبخ أي بيت خلاء وموضع للطبخ ) [123] ، وقال الجزيري : ( ان كان البيت عمارة شقق ، او داراً يجب أن يكون له باب خاص ومنافع تامة من دورة مياه ومطبخ ومنشر تنشر عليه الملابس المغسولة ) [124] .
ومن المنافع الضرورية التي يفترض توافرها في المسكن هي ، الماء والكهرباء باعتبارها من اساسيات الحياة .
 كما قال بعض الفقهاء لا بد أن يكون للمسكن درج وستار لسطحه وحديقة مناسبة اوحش لغرض الترويح عن النفس وهو ما يطلق عليه الفقهاء بالمستراح [125].
 كما يشترط في بعض مساكن القرى والارياف توافر بئر الماء لغرض الشرب او الغسل والتنور لغرض الخبز ، اضافة الى بعض المنافع التي يعود بيان مدى ضرورة توافرها في المسكن لقاضي الموضوع كمنشر الغسيل او بيت المؤونة وغير ذلك من المنافع" . ولقد اكدت بعض القوانين والقرارات القضائية العراقية والعربية ضرورة توافر تلك المرافق والمنافع والا فقد المسكن شرعيته
 حيث نصت المادة ( ٢٤ ) من قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ في فقرتها الثانية على ان ( تشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن ولوازمها ..... )
 كما نصت المادة ( 36 ) من قانون الاحوال الشخصية الاردني النافذ على ان (يهيى الزوج المسكن المحتوي على اللوازم الشرعية ...... ) ولم تتطرق بقية القوانين العربية المقارنة لهذة المسالة ، والواضح من هذين النصين ان المشرع العراقي والاردني استخدما مصطلح اللوازم الشرعية للتعبير عن ضرورة توافر المرافق والمنافع والاثاث الضرورية في مسكن الزوجية . وكان الأجدر النص صراحة على ضرورة توافر هذه المرافق والمنافع في مسكن الزوجية والتي قضت بها صراحة محكمة التمييز العراقية والمحاكم العربية .
إذ قضت محكمة التمييز العراقية بانه ( يشترط لاعتبار البيت شرعيا ان يكون ملائما لسكن الزوجين ومناسبا لحالها وان تتوفر فيه كافة المرافق الشرعية وتقدير ذلك يعود للمحكمة دون الاستعانة بخبراء ) [126] . و ( لا يحكم بالمطاوعة اذا كان البيت الذي اعده الزوج لا يتناسب مع المركز الاجتماعي للطرفين لخلوه من الحمام والسطح ) و ( على المدعى عليه ان يكمل النواقص الضرورية في البيت الشرعي كوضع ستار او حاجز في سطح الدار لمنع الشرفية وان
اهماله ذلك بعده وامهاله يعتبر امتناعا عن اقامة البيت الشرعي وموجبا للحكم بالنفقة ) [127]، و ( لا يكون البيت المهياً للزوجة شرعياً اذا خلا من ستار أو حاجز يمنع الشرفية) [128] وان ( الغرفة المعزولة بقواطع مؤقتة غير كافية لمنع السمع والبصر لا تعتبر بيتا شرعيا ) [129] .
 وجاء في قرار صادر عن هيئة مجلس التمييز الشرعي ما نصه ( ان هيئة التمييز الشرعي قررت ما هو ابت : اصدرت محكمة السماوة الشرعية اعلانا مؤرخا في ٢٩ / ١٢ / ٩٦٢ 1 ، برد دعوى المدعية على زوجها المدعى عليه النفقتها الماضية والمقبلة لامتناعها عن
مطاوعة الزوج بالدار الشرعية التي هيأها ...... اجريت التدقيقات فوجد ان الحكم برد دعوی
المدعية غير موافق للشرع والاصول ، حيث كان تقرير الكشف يتضمن ان الدار لم يكن فيها ماء ولا كهرباء ، واظهر وكيلها ان الدار خالية من المواد الصحية ايضا، وكان على المحكمة ان تستوضح ما اذا كانت الزوجة ممن يسكنون في مثل هذه الدار، فتكلفه بالدار اللائقة بها . ولما تقدم قرر بالاتفاق نقض الحكم ) [130] .
 وبالرغم من ان هيئة مجلس التمييز الشرعي قررت نقض الحكم القاضي بشرعية المسكن لخلوه من الماء والكهرباء . فإننا نستنتج من خلال مفهوم المخالفة لهذا النقض ان الزوجة اذا كانت ممن يسكنون الدور او البيوت التي لا يوجد فيها ماء ولا كهرباء ، فيمكن اعتبار المسكن الذي أعده الزوج شرعياً، على الرغم من خلوه منهما ، وهذا الحكم ان كان يمكن قبوله قبل اربعين عاما وهو تاريخ صدور القرار المذكور ، فلا يمكن قبوله في الوقت الراهن لاهمية مثل هذه المنافع من جهة ، ولتوافر شبكات الماء والكهرباء في جميع أنحاء البلاد من جهة اخرى ، فضلاً عن وجود البدائل في حالة عدم توافرها في بعض المناطق ، كالمولدات الكهربائية ، اضافة للآبار والعيون والصهاريج لنقل المياه ، لذا لا بد من توافر هذه المنافع مهما كان الوضع الاجتماعي والاقتصادي للزوجين .  كما اكدت محكمة النقض السورية ضرورة توافر هذه المرافق في المسكن لتحقق شرعيته  حيث قضت  :

بأنه : ( لا يكون المسكن شرعيا الا اذا اشتمل على المرافق الضرورية كالمرحاض والمطبخ ، وامر التحقق من صلاحيتها وغير ذلك منوط تقديره بقاضي الموضوع وحده ) ، و ( لا يعتبر المسكن شرعيا دون المرافق الضرورية مهما كان وضع الزوج المادي والاجتماعي )" ، و ( ان وجود المطبخ في المسكن ضروري لاعتباره شرعيا )"، و ( ان وجود المرافق شرط من شرائط المسكن ) [131].
كما اكدت ذلك محكمة الاستئناف الشرعية في المملكة الاردنية الهاشمية ، حيث قضت بان : (عدم وجود باب لمرحاض المسكن يفقده شرعيته وان تركيبه بعد الكشف عن المسكن لا يغير من الوضع شيئا ) [132]
كما قضت بانه : ( ينبغي ان يذكر في تقرير الكشف ان للمسكن الذي يفتح على غرفة مجاورة سكنها صاحب الدار بابا وغلقا حتى يصبح مارأته المحكمة ان الموجودة في احدى الغرفتين لا يمكن ان يرى داخل الغرفة الاخرى ) [133] .
 و ( مما يطعن في شرعية المسكن ان تكون المساحة المعدة لنشر الغسيل ممرا لغير الزوجين) [134]  
كما قضت المحاكم المصرية بان ( المسكن الواجب شرعا هو بيت له مرافق وغلق على حدة ، فلا بد من بيت خلاء (دورة مياه ) ومطبخ )[135] .







الفرع الثاني
مواصفات المرافق والمنافع الشرعية والقانونية
من الشروط والمواصفات التي يجب أن تكون عليها مرافق ومنافع مسكن الزوجية ما يأتي
أ – أن يكون حجمها ونوعيتها ومواصفات بنائها ملائمة لحالة الزوجين الاقتصادية والاجتماعية" [136]. فما يفترض وجوده في مساكن اغنياء المدن من مرافق ومنافع كالحدائق والمسابح والباحات يختلف عما يفترض وجوده في مساكن بسطاء القرى من مرافق ومنافع كبئر الماء والتنور .
 ب – أن تكون هذه المرافق موجودة داخل المسكن الشرعي . ولا يقصد من ذلك وجودها داخل غرف المسكن أو بينها . بل داخل سياج أو جدار المسكن لمنع شرفية الغير على أفراد الأسرة عند استخدام هذه المرافق خاصة في المساكن ذات التصاميم الشرقية التي تكون باحتها السماوية مكشوفة [137] .
 ج – ويشترط في هذه المرافق أيضاً أن تكون مكتملة البناء من حيث الجدار والسقف والغلق. وأن تحتوي على كل الأدوات الضرورية الخاصة بها . إذ قضت المحاكم الأردنية بان ( عدم وجود باب لمرحاض المسكن يفقد شرعيته ) [138] وقضت محكمة النقض السورية بان : ( المرحاض اذا كان دون سقف او باب يجعل المسكن غير شرعي) .



د – أما اشتراط استقلال المسكن بهذه المرافق وعدم جواز الاشتراك فيها مع الغير . فقد اختلف الفقهاء في جواز الاشتراك فيها من عدمه .
فمن حيث المبدأ هناك نوعان من المرافق . الفرع الأول : هي المرافق التي أنشئت لتكون بطبيعتها مشتركة مع الغير ، كالباب العمومي للعمارة والدرج والمصعد الألي وبئر الماء والتنور ، إذ تكون هذه المرافق مشيدة لغرض استفادة جميع الساكنين منها بصورة مشتركة .
والنوع الثاني : هي المرحاض والمطبخ والحمام . وهنالك اتجاهان حول جواز الاشتراك فيها من عدمه .
 الاتجاه الأول - قال بعدم جواز الاشتراك فيها مهما كان الوضع المادي والاجتماعي للزوجين سواء أكان المسكن داراً مستقلة أم شقة من دار أم غرفة . ففي شرح المختار (ولو كانت في الدار بيوت وأبت أن تسكن (أي الزوجة) مع ضرتها أو أحمائها أو أحد من أهله، إن أخلى لها بيتاً ( أي غرفة ) وجعل له غلق ومرافق على حدة ( أي غير مشتركة ) ليس لها أن تطلب بيتاً آخر ) [139] .
 ويتبين من خلال المفهوم المخالف لهذا المتن أن الزوج إن أخلى لها بيتاً بمرافق مشتركة مع الغير فلها أن تطلب مسكناً غيره . وهو ما يعني عدم شرعية المسكن لاشتراك مرافقه مع الغير . وقال الصابوني ( إذا كان الزوج فقيراً لا يساعده حاله على إيجاد مسكن منفرد يجوز أن يكون المسكن غرفة واحدة مع مرافقها بحيث لا يشاركه فيها أحد غيره ) [140]. ويقول محمد مصطفى شبلي في هذا الصدد ( يمكن أن يكون المسكن بيتاً مستقلاً أو غرفة من بيت إذا كان له قفل خاص ومرافق خاصة ) [141] .
 الاتجاه الثاني - يرى ان الاشتراك بالمرافق الضرورية لا يؤثر في شرعية المسكن إذا كان الزوج فقيراً ولا يقوى على تهيئة مسكن بمرافق خاصة إذ ينبغي أن يراعى في المسكن حال الزوجين فضلاً عن العرف السائد في بلد السكنى فيمكن أن يكون المسكن داراً مستقلة أو جزءاً من دار له مرافق خاصة أو بيتاً له مرافق مشتركة بحسب حال الناس في كل مكان وزمان [142] .
فقد قال أبن عابدين ( أن الفقراء الذين يسكنون الربوع والحيشان يكون لكل واحد بيت يخصه ومرافق مشتركة )  [143]. وعلى الرغم من أن أصحاب هذا الاتجاه أجازوا الاشتراك بالمرافق إلا أنهم حددوا الأشخاص الذين يجوز الاشتراك معهم فيها وهم الأقارب دون الأجانب فقد جاء في الفتح ( وإن كان الخلاء مشتركا ليس لها أن تطالبه بمسكن آخر ولابد كون المراد كون الخلاء مشتركاً بينهم وبين غير الأجانب)  [144].
 وقال ابن عابدين ( وأهل بلادنا الشامية لا يسكنون في بيت من دار مشتركة مع أجانب ، وهذا في أوساطهم فضلاً عن أشرافهم . إلا أن تكون داراً مورثة بين أخوة مثلاً فيسكن كل منهم في جهة منها مع الاشتراك في مرافقها فإذا تضررت زوجة أحدهم من أحمائها أو ضرتها وأراد زوجها السكانها في بيت منفرد من دار لجماعة أجانب وفي البيت مطبخ وخلاء مشترك يعدون ذلك من أعظم العار عليهم فينبغي الإفتاء به) [145]. ويرى البعض أن الزوج إن كان معسراً وممن يسكنون الحجرات المشتركة في الشقة الواحدة فيكفي أن توجد هذه المرافق بالكيفية التي تندفع بها الحاجة بغض النظر عن أنواع هذه المرافق والاشخاص المشتركين فيها[146]. في حين يرى البعض الآخر أن المرافق الصحية يجب ان تكون خاصة بالمسكن إذا كان مشتركاً بين الزوجة و جیران آخرین [147]
 ولم يتضمن قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ والقوانين العربية المقارنة نصاً بهذا الشأن مما يعد نقصاً تشريعياً يقتضي تلافيه .
 ونبين فيما يأتي موقف القضاء العراقي والعربي من مسألة الاشتراك بالمرافق . إذ تتجه محكمة التمييز العراقية إلى عدم اعتبار المسكن شرعياً إن كانت مرافقه مشتركة مع الغير سواء كان هذا الغير قريباً أو غريباً . حيث قضت بأنه ( لا تعتبر الدار التي أعدها المدعي عليه شرعية إذا كانت مرافقها مشتركة مع الغير ) [148] ، و ( لا تعتبر الغرفة التي أعدها
الفرع الثاني : تحديد نوعية اثاث مسكن الزوجية .
الفرع الأول
تحديد المكلف بتأثيث مسكن الزوجية
 هناك رأيان في الفقه الاسلامي في تحديد الزوج الذي يقع على عاتقه تأثيث مسكن الزوجية . الاول ، قال : ان التجهيز واجب على الزوجة . والثاني ، قال : ان التجهيز واجب على الزوج ، وسنبين فيما يأتي ادلة كل رأي ونبين موقف القانون والقضاء العراقي والعربي من ذلك .
 الأول - التجهيز واجب على الزوجة :
 قال المالكية : ان الزوجة هي الملزمة بتأثيث بيت الزوجية من مهرها [149] ، وذلك على وفق الشروط الاتية :
1- ان تقبض الزوجة مهرها قبل الدخول ، سواء كان المهر معجلاً اصلاً أو عجل لها المعجل ، اما ان دخل بها قبل قبض المهر المعجل او كان المهر مؤجلاً اصلاً، فلا يلزمها تأثيث المسكن بعد القبض الا اذا اشترط الزوج غير ذلك او كان العرف يلزمها بالتجهيز من مهرها المقبوض بعد الدخول .
2-   ان يكون التجهيز في حدود ما قبضته من مهر ، وليس باكثر منه الا اذا اشترط الزوج ذلك أو كان العرف في بلدها يقضي بان تتجهز الزوجة اكثر مما قبضت" . وقد استدل المالكية في مذهبهم بقول الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) [150] .
 ويقول النبي ( ص ) : ( تنكح المرأة لأربع ، لحسابها ومالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تريت يداك ) [151] . كما استدلوا بالعرف الجاري [152] والقاضي بالزام الزوجة بالتجهيز في حدود ما قبضته من مهرها [153].

ثانياً - التجهيز واجب على الزوج :
 ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة ، والجعفرية الى ان تأثيث المسكن واجب على الزوج لا على الزوجة ، على اعتبار ان الاثاث جزء من النفقة ، والنفقة واجبة على الزوج بمقتضى الكتاب والسنة والاجماع ، والمعقول .
 اما المهر ، فهو عطاء ونحلة ، لقوله تعالى : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) [154] ، فهو حق خالص للزوجة تتصرف به كيف شاءت
ولا تلزم بتأثيث المسكن منه [155].
وعلى الرغم من رجاحة الرأي الثاني ، لقوة حججه وادلته ، الا انه لا يمكن إغفال ما للعرف من اعتبار في الشرع ، وكذلك الشروط المشروعة في عقد الزواج .
لذا فالراجح في هذه المسألة هو ان يكون الزوج هو المكلف بتأثيث مسكن الزوجية ابتداء ، الا اذا كان شرط الزواج أو العرف يقضي بالزام الزوجة بتأثيث المسكن فيلزمها التجهيز .
هذا بالنسبة إلى موقف الفقه ، اما التشريعات العربية فاغلبها تشير الى ان تأثيث مسكن الزوجية يقع علی عاتق الزوج y الزوجة ، حيث نصت المادة  (25 ، البند / 2 ، ف / ج ) من ناشزا ...  (ج : اذا كانت الاثاث المجهزة للبيت الشرعي لا تعود للزوج ) . كما نصت ( المادة / ٢٦ ) من قانون الاحوال الشخصية الاردني على ان : ( يهيى الزوج المسكن المحتوي على o ) اللوازم الشرعية حسب حاله ، وفي محل اقامته وعمله ) .
وقضت محكمة التمييز العراقية بانه : (اذا اقر الزوج بعائدية الاثاث الموجودة في البيت الشرعي الى زوجته فعليه تجهيز البيت باثاث اخرى تعود له ) [156] .
وقضت المحاكم المصرية بانه : (على الزوج سائر ادوات البيت من فرش وانية وادوات تليق بالزوجة بحسب عرف زمانه ومكانه) [157] .
كما قضت محكمة النقض السورية بان : ( لا تلزم الزوجة بفرش المسكن الزوجي  وتأثيثه )  [158]
الفرع الثاني
تحديد نوعية أثاث مسكن الزوجية
ان ما كان يستخدم سابقاً من فرش وأوان وادوات بسيطة للأكل والشرب والنوم والجلوس والتضييف ، كالحصير وبعض الأنية المصنوعة من الفخار او النحاس وغيرها، تختلف عما افرزته التقنية الحديثة من أوان وادوات والات ، كالثلاجة والغسالة والتلفاز والمكيفات والمفروشات الحديثة للجلوس والنوم وما الى ذلك .
 كما ان ما يلزم به الزوج الغني من اثاث ولوازم منزلية يختلف عما يلزم به الزوج المعسر ، وفضلاً عن ذلك ، فان ما يحتاجه المسكن في المدينة من اثاث يختلف عما يحتاجه البيت الريفي من هذه الاثاث وان اتحدت في الغرض .
 فوفقا لأي معيار يتحدد حجم ونوعية اثاث بيت الزوجية ؟ اختلف الفقهاء في المعايير التي يتحدد بها وبموجبها حجم ونوعية اثاث بيت الزوجية تبعاً لاختلافهم في تحديد الزوج المكلف لذلك .
 فالذين قالوا ان التجهيز واجب على الزوجة ، الزموها بالتجهيز في حدود ما قبضت من مهرها ، وعلى عادة امثالها في البلد من حضر أو بدو ، ولا يلزمها التجهيز بأكثر من ذلك الا اذا اشترط الزوج او كان العرف يقضي في بلدها على الزوجة بان تتجهز باكثر مما قبضت [159]. اما الذين قالوا ان التجهيز واجب على الزوج فقد ذهبوا في ثلاثة اتجاهات في تحديد المعيار المحدد لنوعية وحجم الاثاث .
الأول – قال : التجهيز على الزوج حسب حاله وعرف زمانه ومكانه [160] .
الثاني - قال : التجهيز واجب على الزوج حسب حال زوجته ، وان تكون الادوات كافية لامثالها في بلدها [161].
 الثالث – التجهيز واجب على الزوج حسب حالة الزوجين [162] .
 كما اختلفت التشريعات في تحديد المعيار الذي يمكن اعتماده لتحديد حجم ونوعية اللوازم المنزلية التي يلزمها بها الزوج . فالمعيار المعتبر في تقدير هذه الاثاث وفقاً لقانون الاحوال
الشخصية العراقي [163] ومشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية [164] هو حالة الزوجين الاقتصادية والاجتماعية .
 أما قوانين الاحوال الشخصية الاردني [165] والمصري [166] والسوري [167] ، فقد اخذت بمعيار حالة الزوج الاقتصادية والاجتماعية في تقدير حجم ونوعية اثاث بيت الزوجية وموقف هذه القوانين هو جدير بالتأييد لان الزوج هو المكلف بالتجهيز فلا يجوز تكليفه بأكثر مما يستطيع علی ان یکون التجهیز حسب عرف بلد السکنی .
 وبالنسبة لاتجاه محكمة التمييز العراقية فيمكن ان نستشفه من خلال قراراتها المتعلقة بالنفقة على اعتبار ان الاثاث جزع من النفقة إذ قضت بأنه (نفقة الزوجة تقدر حسب حالتي الزوجين يسراً وعسراً) [168]. وقضت أيضاً (عند الحكم بالنفقة يجب مراعاة يسار المحكوم ومقدار راتبه الشهري ) [169].
 ويتبين من القرار الاول ان محكمة التمييز اخذت بمعيار حالة الزوجين عند تقدير النفقة (ومنها الاثالث) في حين يتبين من القرار الثاني ان المحكمة اخذت بمعيار حالة الزوج المادية عند تقدير النفقة ومنها (الاثاث) .
 مما يدل على ان محكمة التمييز لم تستقر على اتجاه محدد في هذا الشأن والاجدر ان تأخذ بمعيار حالة الزوج المادية شأنها في ذلك شأن محكمة النقض المصرية والسورية . فقد قضت المحاكم المصرية بانه (على الزوج سائر ادوات البيت من فرش وآنية وادوات وفقاً لحالته يساراً واعسارا بحسب عرف زمانه ومكانه) [170] .
 كما قضت محكمة النقض السورية بأنه ( اذ تبين ان المسكن مفروش بمفروشات الزوجة لا الزوج وانه اقل من مسكن امثاله حكم لها بالنفقة وكان طلبه الزامها بترك الوظيفة سابقاً أوانه إذ لا يحكم به قبل تهيئة المسكن ) [171].
وأياً كان حال الزوج المادي أو الاجتماعي فيجب أن يوفر الحد الأدنى من الأثاث والأدوات واللوازم الضرورية . فخلوا المسكن من بعضها كالفراش واللحاف يجعله غير شرعي [172].

الخاتمة
بعد ان انتهينا من دراسة موضوع البحث نود ان نبين اهم النتائج والتوصيات التي توصلنا اليها وعلى النحو الاتي :
أولأ– النتائج :
 ان اهم النتائج التي توصلنا اليها هي :
1- ان لفظة (البيت) تعني في الاصطلاح الفقهي الغرفة الواحدة ، و(الدار) تعني مجموعة غرف جميعها محاطة بسياج أما (الشقة) فهي جزء من الدار ، اما المسكن فهو نقطة عامة تطلق على البيت والدار والشقة ، لذا فان استخدام لفظة المسكن ، من الناحية الشرعية والقانونية واللغوية الفضل من غيرها للتعبير عن مكان سكنى الزوجين .
2-   هناك ثلاثة اتجاهات فقهية لتحديد حجم ونوعية المسكن الذي يلتزم به الزوج لزوجته ، فالاتجاه الاول يأخذ بمعيار حالة الزوج الاجتماعية والاقتصادية والثاني يأخذ بمعيار حالة الزوجة ، اما الثالث فيأخذ بمعيار حالة الزوجين ، وقد اخذ المشرع بمعيار حالة الزوجين عند تقدير النفقة (ومنها السكنى) في حين اخذت القوانين العربية بمعيار حالة الزوج ، لانه المكلف بالنفقة (ومنها السكنى) فلا يجوز تكليفه اكثر مما يستطيع ، وهو المعيار الجدير بالتأييد
3-   ان حق الزوجة في السكنى عند قيام الرابطة الزوجية حق ثابت لها باجماع الفقهاء والقوانين الوضعية . اما حقها في السكنى في اثناء عدتها من الطلاق او الوفاء ، أو بعد انتهائها ان كانت حاضنة لاولادها من مطلقها ففيه خلاف . فبالنسبة للمعتدة من طلاق رجعي او من طلاق بائن وهي حامل فقد اجمع الفقهاء على ان لها الحق في السكنى . اما المعتدة من طلاق بائن وهي حائل او معتدة من وفاة . فمن الفقهاء من قال لها السكنى ومنهم من قال ديكسر ذلك . وكذالك الحال بالنسبة المطلقة الماضنة لأولاد بها من مطلقها فمن الفقهاء من قال ليس لها السكنى على مطلقها بعد انقضاء عدتها . وانما لها الاجرة على الحضانة ، وتستأجر منها مسكناً لها ولصغيرها . ومنهم من قال ان لم يكن للمطلقة الحاضنة مسكن


فعلى الاب السكانها ومحضونها ، لان السكنى من نفقة الصغير ونفقة الصغير على ابيه ان لم يكن له مال . هذا بالنسبة لاراء الفقهاء ، اما بالنسبة لمواقف القوانين العربية ومنها القانون العراقي فلم يتضمن نصاً بشأن سكنى المعتدة ، ولكن يمكن ان نستشف موقفها من خلال النصوص المتعلقة بنفقة المعتدة (ومنها السكنى) . فقد اعطت معظم هذه القوانين ومنها القانون العراقي النفقة (ومنها السكنى) لمعتدة الطلاق ، رجعياً كان ام بائناً ولم تعطي هذا الحق لمعتدة الوفاة ، دون ان تراعي الاعتبارات الاجتماعية والانسانية التي توجب على الورثة السكان زوجة مورثهم . هذا فيما يتعلق بسكنى المعتدة ، اما فيما يتعلق بسكنى المطلقة الحاضنة فلم تتضمن قوانين الاحوال الشخصية العربية باستثناء قانون الاحوال الشخصية المصري ، نصاً صريحاً بإلزام الزوج المطلق باسكان مطلقته الحاضنة لأولاده . اما القضاء العراقي والعربي فقد أكد في العديد من قراراته ضرورة إسكان المطلقة الحاضنة ان لم يكن لها مسكن تحضن فيه الصغير .
4 -  لقد تبين لنا ان قانون (حق الزوجة المطلقة في السكنى) الذي اعطى بموجبه المشرع العراقي للزوجة المطلقة الحق في البقاء ساكنة بعد الطلاق في مسكن الزوجية المملوك للزوج وبدون بدل ، لمدة ثلاث سنوات من تاريخ اخلائه من قبل الزوج ، تبين انه قانون لا اساس له من الناحية الشرعية والقانونية ، إذ قال الفقهاء – وهو ما نصت عليه القوانين – ان نفقة كل انسان (ومنها السكنى) في ماله إلا الزوجة فنفقتها (ومنها السكنى) على زوجها . والمطلقة هاهنا بعد انقضاء عدتها تصبح اجنبية عن الزوج فتكون نفقتها (ومنها السكنى) في مالها ان كان لها مال ، فان لم يكن لها مال فسكناها على من يلزم بنفقتها من اهلها أو ذوي رحمها وليس على زوجها المطلق هذا من جهة . ومن جهة اخرى فان اعمال هذا القانون يؤدي الى حصول الزوجة المطلقة على نفقة السكنى من جهتين ، جهة التعويض عن الطلاق التعسفي وجهة قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى وهو ما لا يمكن قبوله .

التوصيات :
بعد ان عرضنا ابرز النتائج التي استخلصناها من هذه الدراسة نوصي بما يأتي:
1. استخدام مصطلح (المسكن) في قانون الأحوال الشخصية العراقي بدلأ من مصطلح (البيت أو الدار) وذلك منعاً للالتباس والغموض .
2. النص صراحة على وجوب تقدير المسكن وفقاً لحالة الزوج يسراً وعسراً، وتحديد حجم مسكن الموسرين والمعسرين ومتوسطي الحال.
3.   النص صراحة على وجوب السكنى للمعتدة من طلاق أو وفاة
4. النص صراحة على وجوب السكنى للمطلقة الحاضنة على زوجها المطلق ان لم يكن لها مسكن تحضن فيه الصغير
5.    إلغاء قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى المرقم VV لسنة 1983
6.    إلغاء (البند ب / من ف ٢ / من المادة ٢٥) من قانون الاحوال الشخصية العراقي
7.   تعديل الفقرات (1 –٢ -3) من المادة (٢٦) من قانون الاحوال الشخصية العراقي على النحو الاتي :
 أ- ليس للزوج الموسر ان يسكن مع زوجته بغير رضاها ضرتها في دار واحدة.
 ب- للزوج ان يسكن مع زوجته في دار الزوجية ابنته من غيرها حتى تتزوج ، واسكان ابنه من غيرها حتى يكون قادراً على إعالة نفسه .
 ج- على الزوج إسكان أبويه أو أحدهما مع زوجته في دار الزوجية إن كانا فقيرين وعاجزين عن الكسب لمرضهما او شيخوختهما وليس للزوجة الاعتراض على ذلك .
 ٨. النص صراحة على بيان الاثر المترتب على قيام الزوج بتهيئة المسكن الشرعي والأثر المترتب علی امتناعه من إعداده .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.